النازحون السوریون فی لبنان: أحلام صعبة التحقیق وحیاة بلا أنسنة
مقدمة:
عاد الشتاء ببرده القارس وثلجه لیفتح سجل النازحین السوریین فی لبنان وغیره من جدید .. ولیفضح المتحدثین عن الانسانیة وحقوق الانسان. هو موسم التعذیب الحقیقی لساکنی تلک الخیام التی یغطیها قماش اشبه بورق، فما ان تهطل السماء حتى تتحول تلک التجمعات السوریة الى امکنة لایمکن ان تسکنها حتى الدواب لأنها تخلو من ای حمایة للساکنین، اضافة الى الاراضی الموحلة التی توصل الیها وتحیط بها ..
ـــــــــــ
لایستطیع المتتبع لهذا الملف الا ان یتأثر بما یعیشه هؤلاء النازحون الذین لم یطرقوا باب لبنان الآن، بل هم یعیشون المحنة منذ ان دخلوا الیه اثر الحرب الدائرة فی بلادهم سوریا … واذا رجعنا الى تواریخ دخولهم سنجد اجوبة ملائمة لذلک، وإذا عدنا الى الوراء، نرى أنّ أوّل حالة نزوح إلى لبنان سجلت بتاریخ 28/4/2011، بعدما اندلعت الأزمة السوریة بتاریخ 15/3/2011.
وقد سجّل خلال هذا العام دخول 4139 نازحاً، فی حین تزاید هذا العدد خلال العام 2012 لیصِل الى 222580 نازحاً، من ضمنهم6841 فلسطینیاً بمعدل 600 نازح یومیاً، لتشهد سنة 2013 وحتى تاریخه تزایداً مستمراً لعدد النازحین، حیث سجّل دخول 57462 نازحاً من ضمنهم 2700 فلسطینی بمعدل 2600 نازح یومیاً، خلال 23 یوماً..
وکانت الأجهزة الأمنیّة اللبنانیة المعنیّة أجرت إحصاء دقیقاً ودراسة معمّقة لهذه الحال التی باتت تشکّل خطراً على الداخل اللبنانی من النواحی الاجتماعیة والاقتصادیّة والسیاسیّة، فتبیّن معها أن النازحین ینتمون الى ثلاث فئات:
- الاولى: دخلت لبنان عبر المعابر الشرعیة، وسکنت لدى الاقارب او فی شقق مستأجرة (فئة میسورة).
-الثانیة: دخلت لبنان عبر معابر شرعیة وغیر شرعیة وتوزّعت على مختلف المناطق (لم یتم إحصاؤها).
- الثالثة: العمّال السوریون الذین یعملون أصلاً فی لبنان وقد استقدموا عائلاتهم الى حیث أمکنة أعمالهم (ورش- مزارع…) ولم یتم تسجیل غالبیتهم (اکتفاء ذاتی).
ونتیجة الدراسة والمتابعة الأمنیّة عینها تبیّن أنّ حال النزوح السوری فی تزاید فظیع یومیاً، بحیث عمدت عائلات عدیدة إلى عدم تسجیل أسمائها لاعتبارات خاصة بهذه العائلات (تحسّباً للمستقبل).
واذا أردنا أن نقدّم جدولاً للنسب بناءً على الدراسة نفسها، یتبیّن لنا التوزیع الآتی:
محافظة شمال لبنان: 48 %
محافظة البقاع: 40 %
محافظة الجنوب ومحافظتا بیروت وجبل لبنان 12%.
هذه النسب المئویة المرتفعة وضعت لبنان یومها ومازالت أمام تداعیات ومخاطر أمنیّة صعبة وکبیرة، على حدّ قول مرجعیّة أمنیّة کبیرة. فعلى الصعید الأمنی تمّ استغلال النازحین من جهات متطرفة سیاسیاً ودینیاً، اضافة الى تدخّل النازحین فی الشؤون الداخلیة اللبنانیة، فضلاً عن ارتفاع معدل الجریمة (سلب، نشل، تعدّی، قتل)، حیث تبین أنّ العدد الاکبر من الجرائم نفّذها او اشترک فی تنفیذها اشخاص من النازحین، استغلّوا صفة نازح لتشکیل عصابات تتعدى على الناس والأملاک العامة والخاصة بهدف الحصول على المال، اذ بلغ عدد المتورطین السوریین من 1/3/2011 وحتى 31/12/2012، 1632 متورطاً.
وقع لبنان اذن أمام کارثة حقیقیة بعد أن ارتفع عدد المقیمین من 4 ملایین إلى 5.5 ملایین نسمة دفعة واحدة، وکارثة أمام تخلی الحکومة عن مسؤولیاتها إزاء هذا الواقع، وعدم التنسیق مع منظمات المجتمع المدنی اللبنانی، وترک المسؤولیة على عاتق المفوضیة السامیة للاجئین وبعض المنظمات الدولیة، والجمعیات اللبنانیة والفلسطینیة، وعدم توفر المساعدات الخارجیة بالشکل المطلوب.
یعانی لبنان أساساً من مشکلات أصلیة، إن نزوح هذا الکم من الأسر السوریة فی ظل: عجز فادح فی القدرة الاستیعابیة للبنى التحتیة، وتراجع فی الخدمات العامة (صحة، تعلیم، نقل وإدارة النفایات …) کذلک یعانی لبنان من تشوهات بنیویة فی الاقتصاد مع تعزیز للنشاطات الریعیة (لبنان بحاجة سنویاً لـ 25 ألف فرصة عمل لا یتوفر منها سوى 5 آلاف) وإن أبواب الهجرة هی الملاذ الوحید للشباب اللبنانی، مع انحدار أکثر من ثلث الأسر المقیمة إلى ما دون خط الفقر، ومدیونیة عامة قیاسیة تصل إلى 70 ملیار دولار.
إن اللبنانیین الذین یعانون هذه الأزمة الخانقة تنعکس على النازحین السوریین، مما یفاقم الأزمة على الطرفین معاً. وهکذا لا بد من التحدث عن أزمة لبنانیة – سوریة من جراء وجود هذا العدد من النازحین، وضرورة العمل على إیجاد حلول مشترکة للطرفین..
تشیر المفوضیة الدولیة إلى تسجیل 600 ألف نازح وتتحدث الحکومة اللبنانیة عن ملیون و500 ألف (ثمة تقدیرات تشیر إلى ملیون و800 ألف)، یعض الجوع معظمهم، وترشح “شوفینیة” بعض اللبنانیین ضدهم. إن الحکومة قد نأت بنفسها، وکذلک منظمات المجتمع المدنی فی بدایة الأزمة السوریة، وعکس کل حالات الطوارئ السابقة، حیث کانت تبادر منظمات المجتمع المدنی، وفی المقدمة تجمع الهیئات الأهلیة (والذی یضم کبریات الجمعیات فی لبنان، وأنا منسقه العام) إلى وضع خطط طوارئ وطنیة، وبالتعاون مع وزارتی الصحة والشؤون الاجتماعیة والهیئة العلیا للاغاثة وإن آخرها کان إبان العدوان الإسرائیلی عام 2006. إلا أن انقسام الطبقة السیاسیة فی لبنان بین مؤید للنظام وللمعارضة فی سوریة، وانغماس البعض فی تقدیم المال والسلاح والأدویة والمواد الإغاثیة فی نفس الوقت للنازحین، إن حساسیة هذا الواقع، لم تدفعنا لیکون لبنان من المبادرین، کما کان یحصل فی العقود الأربعة المنصرمة فی مرحلة الطوارئ، مما جعل المفوضیة السامیة للاجئین الجهة التی تتلقى المساعدات ولیس الحکومة ولا منظمات المجتمع المدنی، وتنسق مع الوزارات المعنیة والجمعیات العاملة مع النازحین ومن ضمنها مؤسسة عامل (الجمعیة المدنیة غیر الطائفیة الملتزمة بالعمل من أجل المواطن والإنسان، بمعزل عن خیاراته السیاسیة أو الدینیة أو الجغرافیة والتی قدمت حتى الآن عبر مراکزها الـ 24 المنتشرة على الأراضی والعیادات النقالة الثلاث خدمات لـ 110 آلاف نازح سوری. هذه التقدیمات على أهمیتها من قبل جمیع الجهات المعنیة تبقى متواضعة بالمقارنة مع الحاجات الفعلیة للنازحین).
من اجل تغطیة احتیاجات اللاجئین فی لبنان ودعم المجتمعات المضیفة والمؤسسات العامة اللبنانیة المتأثرة جراء الازمة، طلبت الحکومة اللبنانیة ووکالات الامم المتحدة المعنیة عام 2015 میزانیة بقیمة 87 ,1 ملیار دولار الا ان الاستجابة لم تتجاوز نسبة 40 بالمائة فقط .. ای اقل من نصف التمویل امطلوب، ما انعکس تدهورا فی احوال معیشة النازحین والمضفین، وتسبب بمشکلات خطیرة. فی عام 2016 قدر التمویل المطلوب بنحو 2,48 کلیار دولار الا ان التوقعات تفید بان الاستجابة الدولیة لن تتجاوز الثلث، مما یعنی ان الاوضاع ستصیر اسوأ بکثیر مما هی علیه.
وکانت مفوضیة الامم المتحدة قد حذرت انه ” سنة بعد سنة وشهرا بعد شهر واسبوعا اثر اسبوع، ویوما اثر یوم، تندفع ازمة اللجوء السوری فی لبنان الى التأزم اکثر وترخی بتداعیاتها الامنیة والاقتصادیة والمعیشیة والتربویة والصحیة والاجتماعیة واسکانیة على مجمل الاوضاع العامة للبنان، الذی تحمل الجزء ربما الاکبر من تبعات هذه الازمة مع تناقص متسارع لحجم المساعدات الدولیة، وتراخی المساعدات العربیة وتراجعها الى مادون الخمسین بالمائة عما کانت علیه منذ بدء الازمة السوریة وبالتالی انخفاض قدرة المجتمعات المحلیة اللبنانیة على النهوض بهذا العبء الکبیر فی ظل اوضاع سیاسیة واقتصادیة وامنیة لبنانیة فی الاکثر تدهورا ” .
ومن نتائج النزوح السوری إلى لبنان تشیر إحصاءات قوى الأمن الداخلی، فی ظل الخلل السکانی، إلى وجود اکثر من ستة الاف موقوفاً سوریاً، منذ بدایة الأزمة فی مارس 2011 وهذا الرقم هو 17% من مجموع الموقوفین على الأراضی اللبنانیة الذی یبلغ 32 ألفاً و 320 موقوفاً. وإن من بین أسباب المخالفات عدم تلقی النازحین أی خدمات.
///الوضع الصحی للنازحین: النازحون بین “قنابل الموت” و”قنابل الأوبئة”
إن الارتفاع المتزاید لأعداد النازحین والظروف المعیشیة والسکنیة تفاقم أوضاعهم الصحیة، لقد بینت الإحصاءات التی قامت بها مؤسسة عامل، عبر مراکزها خلال عام على 90 ألف مریض تمت معاینتهم فی مراکزها الـ 24 وفی العیادات النقالة الثلاث هی کالتالی:
ـ إن نسبة الإمراض الجلدیة تصل إلى 47% بین المرضى (أمراض اللیشمانیا (حبة حلب) والجرب والقمل والستافیلوکوک الجلدیة..)
ـ أمراض الجهاز الهضمی والمعوی: 27%
ـ أمراض الجهاز التنفسی: 19%
ـ سوء التغذیة خاصة لدى الأطفال: 7%
ـ الأمراض المعدیة: حصبة، ویرقان وتیفوئید: 2%
ـ الأمراض النفسیة نتیجة الصدمات والنزوح: 13%
بالإضافة إلى الأمراض المرتبطة بالعنف المنزلی والجنسی ضد النساء.
وتجدر الإشارة إلى أن الطلب على الخدمات الاستشفائیة یرتفع بشکل مضطرد، فوزارة الصحة لم تتلقى أموالاً لمعالجة النازحین على نفقتها ومن بینهم العدید من الجرحى من جراء المعارک الدائرة فی سوریا.
ان نسبة وجود السوریین فی مستشفیات الشمال والبقاع تتجاوز40% أما فی بیروت فسقفها هو 25%، وبنسب اقل جنوباً یوجد فئتان من المرضى:
ـ النازحون السوریون المصابون بأمراض القلب والکلى والسرطان والولادة…
ـ النازحون السوریون المصابون بأمراض تجد بیئتها الحاضنة ضمن المخیمات الجماعیة الآنفة الذکر.
لقد رصدت المفوضیة العلیا للاجئین مبلغاً وسطیاً قیمته 1.500$ لاستشفاء وطبابة الفرد الواحد من المسجلین لدیها. وان وزارة الصحة لم تنخرط فی تمویل أمراض النازحین بسبب عدم توفر الأموال اللازمة لهذا الأمر، لکنها تکفلت بعلاج نحو 500 حالة غسل کلى. ولقد طلبت وزارة المال مبلغ 150 ملیون دولار من البنک الدولی لتمویل کلفة علاج النازحین عبر وزارة الصحة. أما الجرحى والمقاتلون، فکلفة علاجهم تدفع نقداً بواسطة جمعیات خیریة وإسلامیة غالبیتها یتبع لدول خلیجیة. وإن التمویل المخصص لأعمال الإغاثة الصحیة والاستشفائیة للنازحین السوریین بدأ یتناقص مع ارتفاع وتیرة الحدیث عن تلاعب وغش فی الفواتیر التی تدفعها المنظمات الدولیة، مع نفخ فی الأکلاف وزیادة أعداد المرضى وعدد المعاینات، فی ظل حالة الفوضى والتمویل المتدفق لتغذیة الحروب.
واظهرت الدراسات الاخیرة ان 70 بالمائة من النازحین المقیمین فی لبنان یعیشون حالیا تحت خط الفقر ( لاتزبد على 4 دولارات للفرد فی الیوم ) وذلک بحسب التقییم السنوی لجوانب الضعف لدى النازحین السوریین فی لبنان لعام 2015 الذی اعده برنامج الاعذیة العالمیة ومفوضیة الامم المتحدة العلیا لشؤون اللاجئین ومنظمة الامم المتحدة للطفولة. وبحسب ممثلة المفوضیة فی لبنان میرای جیرار فان النازحین بحاجة الیوم اکثر من ای وقت مضى الى الدعم وهم دون استجابة انسانیة قویة ومستدامة قد یغوص النازحون اکثر فاکثر فی الفقر . وتشیر دراسات الى ان النازحین غارقون فی الدیون واقتران ذلک بتراجع فی النفقات نظرا للموارد المحدودة .. فحوالی 90 بالمائة من اکثر من ملیون نازح سوری فی لبنان غارقون الیوم فی حلقة مفرغة من الدیون ، ووفقا لنتائج الدراسات المذکورة ، تضطر اسرة من اصل ثلاث اسر سوریة الى انفاق مالایقل عن 400 دولار امیرکی اکثر من دخلها الشهری مایجبر اکثر من نصف الاسر التی شملتها الدراسة على خفض نفقاتها من اجل تغطیة حاجاتها الاساسیة.
تقول ممثلة الیونسیف فی لبنان ان الازمة السوریة مأساة حقیقیة بالنسبة الى الاطفال، وذلک على نطاق لایمکن تصوره، وهی لاتزال تؤثر على تحو کبیر على حمایتهم ورفاهیتهم ونموهم فی المنطقة باسرها. فتعرض الاطفال للعنف والفقر والتشرد سیسفر عن عواقب وخیمة على کل من المدى المنظور والطویل … وبحسب دراسة لمفوضیة اللاجئین فان مایتعلق باقاماتهم فی لبنان بات یجب تجدید الاقامة کل ستة اشهر مقابل دفعه مبلغا من المال.
فی هذه الاثناء ماذا یجری فی مخیمات النازحین السوریین التی بات یعرف بانها مراکز اوبئة اجتماعیة بعدما تعاظم وقت اقامتها دون وجود ای مؤشر على قرب حل للازمة فی سوریا. من هنا تتعدد التفاصیل التی تجری فی تلک المخیمات وهی اشبه بفضیحة کبرى تتحمل مسؤولیتها الحرب اضافة الى الواقع الانسانی والاجتماعی والاقتصادی للنازحین. تقول احدى الدراسات الصحافیة فی هذا الصدد مایلی:
الناشط الإجتماعی فی جمعیة “قل لا للعنف” طارق أبو زینب یتکلم عن ظاهرة الآفات الإجتماعیة الناتجة عن النزوح السوری إنطلاقا من شهادات وحالات ملموسة. نبدأ فی تعداد الآفات:«تجارة الأعضاء والبشر والدعارة. لکن الأهم یتعلق بالآفة الأولى لأنها ترتبط مباشرة بالأطفال. وهذا وحده یستحق أکثر من علامة استفهام حول انعکاس هذه الآفات على نفسیات الأطفال ومحیطهم.
«إذا انطلقنا من الأسباب نکتشف أنها تتوقف أولا وآخرا على الأزمة الإقتصادیة”. خلاصة توصل إلیها أبو زینب من خلال عمله کناشط إجتماعی على الأرض. لکن ماذا عن النتائج؟ “أولى تداعیات هذه الأزمة والتی بدأت تتفشى منذ منتضف العام الماضی تتمثل فی ظاهرة بیع الأطفال السوریین لعائلات لبنانیة أو عربیة أو حتى أجنبیة میسورة بهدف تأمین مبلغ مالی یؤمن لهم استئجار منزل أو شراء فیزا للهجرة إلى إحدى الدول الأوروبیة. أما الأسعار فخاضعة لسوق العرض والطلب. صدقوا. فنحن هنا نتکلم عن سلعة بشریة!.. بالنسبة إلى النازحین یمکن التعویض عن الطفل الذی باعوه مقابل حفنة من الدولارات! لکن إذا انعدمت سبل العیش کاملة؟عندها لا یعود لمفهوم العائلة دور أو سبب”. معادلة منطقیة فی حساب العائلات التی نزحت من دون أن تحمل معها حتى حقیبة ملابس أو کیس مؤونة یکفیها لأسبوع. لکن فی منطق البشریة وحقوق الطفل فإن ما یحصل هو بمثابة جریمة منظمة تمارسها أکبر المافیات التی تستغل وضع النازحین السوریین. الیوم فی لبنان وغدا من یدری على من تقع القرعة.
ونعود إلى جردة الآفات أو ما یعرف بتجارة الجنس الموجهة نحو المرأة السوریة. وتشیر التقاریر إلى أن العصابات المدبرة تنتشر وبکثافة فی أوساط النازحین بهدف استغلال المراة السوریة بحیث یتم تزویجها عبر ورقة غیر شرعیة مقابل مبلغ من المال یراوح بین 1500و2000 دولار على ألا تمتد فترة “الزواج” لأکثر من اسبوعین أو شهر على أبعد تقدیر. لکن الزبون قد یکتفی بأسبوع واحیانا أقل فیرحل قبل أن یسدد کامل المبلغ ومنهم من یمضی فترة الأسبوعین ویرحل بعد ان یدفع للمرأة السوریة مبلغ 500 دولار أو یقنعها بأنه سیسافر إلى الدول العربیة لمدة یومین. لکنه لا یعود. ومجرد الإتصال به وتهدیده بعقد الزواج یکون الرد “ضعی العقد فی الماء المغلیة واشربی ماءه”.
ثمة من یقول، طالما أن القصة صارت مکشوفة واللعب یتم فوق الطاولة، فلماذا لا یتعظ النازحون السوریون من الدروس التی تعلموها حتى الساعة؟
بحسب إختصاصیة فی علم الإجتماع المسألة تتعلق بالبیئة الحاضنة اساسا للنازحین السوریین. فهذه الآفات تتفشى تحدیدا فی مناطق الحدود الشمالیة والبقاع لأن أغلبیة النازحین فی هذه المناطق تأتی من بیئة إجتماعیة واقتصادیة شبه معدومة. والمرأة کما الرجل لم تتطلع یوما على القانون ولم تتعرف إلى حقوقها. جل ما تدرک أنها کائنة حیة خاضعة لذکوریة الرجل. حتى أصول الشرع والفقه لم تطلع علیها فکیف یمکن أن نطلب منها أن تکون أکثر وعیا على حقوقها وتحافظ على کرامتها؟
ومع انعدام شبکات الأمان المفترض أن تتوافر لتأمین المساعدات الطبیة والتربویة والمساندة الحقوقیة للنازحین عمد بعض رجالات الفقه والدین إلى نشر بعض التعالیم فی أوساط النازحین لتحذیرهم من خطر الآفات الإجتماعیة وتحدیدا على الأطفال والنساء. لکن دخول شبکات المافیا العربیة والعالمیة فی تجارة الدعارة والبشر والأعضاء على خط مخیمات النازحین یطیح کل التعالیم السماویة وحتى الأرضیة.
ونصل إلى الآفة الأکثر خطورة على حیاة الفرد. فهمتم حتما إننا نتکلم عن آفة تجارة الأعضاء. أبو زینب لفت إلى أن هذه التجارة رائجة فی أوساط النازحین الذین یعانون ضائقة مالیة وتحدیدا فی البقاع حیث یوجد أکبر تجمع للنازحین السوریین. وأوضح ان التجارة تشمل أعضاء بشریة صحیحة وسلیمة مثل قرنیة العین والکلى واعضاء أخرى مقابل مبالغ مالیة عادیة احیانا لکنها تکفی لإنقاذ حیاة إنسان وتأمین مستقبل عائلة سوریة. وأکد أبو زینب أن غیاب الرقابة ساهم فی تفشی هذه الظاهرة خصوصا ان أغلبیة العملیات الجراحیة تتم فی عیادات أو مراکز طبیة خاصة. المهم أن تتوافر فیها المعدات الطبیة المطلوبة لإجراء العملیة. لکن المؤسف أن حیاة المتبرع تکون على المحک والأغلبیة تعانی من تداعیات العملیات الجراحیة التی لا تکون فی أغلبیتها ناجحة أو مضمونة النتائج.
کل المعادلات تصح أمام الحاجة والضائقة الإقتصادیة. هکذا تفکر أغلبیة النازحین خصوصا أن المساعدات الوافدة من قبل مفوضیة الأمم المتحدة العلیا لشؤون النازحین السوریین ضئیلة جدا. ومدة الحصول علیها بعد تقدیم العائلة طلبا فی أحد مراکزها لا تقل عن 5 أشهر. هذا عدا عن معاناة الإنتظار أمام أبواب المراکز المتوافرة فی المناطق. وهذه الضائقة هی المبرر الوحید فی تفسیر علماء الإجتماع لمسألة تسول الأطفال أو وضعهم فی سوق العمل وسط شروط وظروف تتعارض مع اتفاقیة حقوق الطفل. ومجرد نزول الطفل إلى الشارع یتحول إلى طعم فی مصیدة تجار المخدرات والدعارة، فیستغلونهم لبیع الحشیشة والکوکایین کون الطفل ابعد ما یکون عن الشبهات. أما الأسعار فلا تتجاوز الألف لیرة لسیجارة الحشیشة، و4 دولارات لکل نصف غرام. وفی آخر النهار یستغل التجار الأولاد للعمل على ابواب الملاهی اللیلیة والمطاعم مما یعرضهم لجمیع أنواع التحرشات الجنسیة. وفی هذا المجال یؤکد طارق ابوزینب أن عددا کبیرا من الأطفال السوریین بین إناث وذکور یتعرضون لتحرشات جنسیة یومیا وقد یقتصر الأمر على المداعبة من دون حصول اعتداء بالکامل کما حصل مع الطفل ذی الأعوام الستة. لکن مجرد إدخال الطفل فی هذا العالم فهذا یعنی أن جریمة ارتکبت فی حق البراءة التی کان یفترض أن تبقى مرسومة على وجهه.
یحصل کل ذلک فی لبنان وتحت انظار وعلم المسؤولین. لکن من یسأل؟ فالأولویة للوضعین الأمنی والسیاسی. لکن الإنفجار الإجتماعی المتوقع على خلفیة الآفات الإجتماعیة فی مخیمات النازحین السوریین سیهز المجتمع اللبنانی.
لکن افکار النازحین ذهبت بعیدا یوم طالت الازمة فی بلادهم .. فاما عیش من هذا النوع غیر الرحیم واما عذابات المخیمات وخصوصا فی فصل الشتاء، وامام تکاثر الولادات التی تحبط انفاس الاهالی، قرر قسم منهم السفر الى الخارج، ولو تمکن جمیع من فی المخیمات السفر لفعلوها، لکن من قرر نزوحا ثانیا وهذه المرة الى اوروبا وتحدیدا المانیا، فقد غامر بالفعل، ورکب البحر الخطر عبر زوارق مطاطیة قد تصل الى مبتغاها او قد لاتصل .. ولهذا مات کثیرون اثناء تلک الرحلة غیر الآمنة، ومع ذلک ظل الآخرون یغامرون وهم یرون بأم عیونهم مصیر من سبقوهم .. لکن هیهات ان یقبل من عاش الذل ان یکمل حیاة من هذا النوع الرخیص.
من وصل الى الشاطیء الاوروبی سلیما کان علیه ان یقطع الخطر الآخر المتجسد فی المسافات الجدیدة التی علیه ان یقطعها سیرا على الاقدام تحت المطر وفی الوحل وهو حامل لامتعته ولاطفاله الصغار وبدون طعام .. کانت اشبه بقافلة ضیاع ، کانت ضیاعا بالفعل والنازحون یتنقلون ولایعرفون این هم الا عندما کانت تأمرهم قوات الأمن لکل بلد مروا فیه. لقد کانت الرحلة شاقة، عبر عنها کثیرون لمحطات فضائیة عربیة، بل مؤلمة الى ابعد الحدود، اکتشف فیها هؤلاء النازحون ان بقاءهم فی سوریا اهون الف مرة من مذلة جدیدة ولکن فی مکان لایفهم علیهم احد ولا یمکن التفاهم مع احد کما لایمکن التأقلم من ای واقع اجتماعی مروا فیه. کانت الرحلة طویلة بکى فیها کثیرون، کما بکى احد المراسلین الصحافیین وهو یرى العذابات وکیف تضطهد السلطات کل من یحاول ان یمر فقط مرورا فی بلادها دون ان یأوی لأن وجهة الجمیع هی المانیا.
وبقطع النفس وصل عدیدون الى المانیا، کانت المستشارة الالمانیة میرکل تنتظرهم، فقد وضع مخطط لاستقبالهم ولو وصل العدد الى الملیون، اذ انها بحاجة الى یدهم العاملة، وبوصول هؤلاء الذین یعتبرون متعلمین کلهم تقریبا، ستتخلص المانیا من مشکلة الحاجة الى عمال مهرة یؤمنون لها سیر العمل الذی هی بحاجة الیه .. وعلم ان میرکل کانت بغایة الشوق لوصولهم لأنها بذلک تحقق تغییر فی واقع العمل ببلادها، کما یحقق لها بالمقابل سیطرة سیاسیة جدیدة سوف تؤدی الى عودتها مجددا الى الحکم.
وعوضا عن استغلالهم لمصلحة البلد، وبذلک منحهم الفرصة للعمل واعتمادهم على أنفسهم فی کسب الرزق، فإن الحکومة الألمانیة، تفتقد إلى استراتیجیة لإدماجهم فی سوق العمل، وبذلک، تترکهم، للمتطرفین الألمان، الذین یزعمون أن الإسلام یهدد بأسلمة أوروبا، وأن اللاجئین یحصلون على مساکنهم ووظائف العمل الخاصة بهم، ویهددون الحیاة الاجتماعیة. وعرض التلفزیون الألمانی شریطا، ظهر فیه رجل فی مدینة صغیرة بألمانیا الشرقیة السابقة، وهو یبنی سورا خشبیا أمام بیته، وقال إنه یفعل ذلک لیحمی بیته من اللاجئین المعتزم أن یقطنوا فی مسکن قریب. ویعیش الکثیر من النازحین السوریین فی ألمانیا، فی أوضاع صعبة، بینما قلة منهم کتب الحظ لهم، أن ینضموا إلى عوائلهم وأقاربهم فی ألمانیا، وهم جمیعا، ینتظرون أقرب فرصة، للعودة إلى بلدهم، والمساعدة فی إعماره.
فی احدى المقابلات التلفزیونیة تحدث شباب تمکنوا من الحصول على عمل فی المانیا اکدوا فیه جمیعهم ان وطنهم سوریا کان اکثر تطورا من البلد الذی وصلوا الیه وکان عملهم اکثر امانا وانتاجا، بل ان بعضهم تمنى لو تعود سوریا الى سابق عهدها من اجل ان یعود سریعا الیها.
بکل المقاییس، یعیش السوری النازح مأساة اجتماعیة لاحل لها الا بعودته الى بلاده ، فمتى یتحقق له مبتغاه .. هذا هو السؤال الذی تصعب الاجابة علیه.
زهیر ماجد/الوطن