المواجهة مع إیران: نهایة الوجود السعودی! | ||
المواجهة مع إیران: نهایة الوجود السعودی!
ردود الأفعال السعودیة على الإدانة الإیرانیة لجریمة اغتیال آیة الله الشیخ نمر باقر النمر تأخذ أشکالاً تصعیدیة تشیع الانطباع بأن السعودیة تعمل فعلاً على الدفع بالأمور نحو المواجهة العسکریة بین البلدین. سلوک جنونی وانتحاری. فی ظروف التوترات القائمة بین السعودیة وإیران على خلفیة إعدام الشیخ النمر، جهات إقلیمیة ودولیة عدیدة دعت الطرفین إلى ضبط النفس وتغلیب الحکمة والعقل على أیة إجراءات تصعیدیة إضافیة. ردٌّ سعودی مبالغ فیه هذه الدعوة جیدة بالطبع. لکنها لیست أفضل ما یمکن لتلک الجهات أن تقوم به: بدلاً من توجیهها بالتساوی إلى کل من السعودیة وإیران، یقتضی الإنصاف توجیهها إلى السعودیة وحدها. لإن إیران لم تفعل غیر استنکار عملیة الإعدام الظالمة لرجل دین کل ذنبه أنه مارس حقاً مشروعاً فی انتقاد الحکم السعودی. وما فعلته إیران فی استنکارها لعملیة الإعدام فعلته جهات ودول أخرى منها ما تربطه بالسعودیة علاقات تحالف. صحیح أن شباناً غاضبین دفعتهم جریمة آل سعود إلى مهاجمة مقرین لبعثتین دیبلوماسیتین فی طهران ومشهد. والأکید أنهم ألحقوا بهما أضراراً مادیة. والأکید أکثر من ذلک أن عشرات المهاجمین قد اعتقلوا وأن إجراءات قانونیة یجری تنفیذها بحقهم، إضافة إلى کون کبار المسؤولین الإیرانیین قد استنکروا الاعتداءین اللذین یمکن أن یکون مندسون قد لعبوا الدور الأساس فیهما. وقد جاء الرد السعودی مبالغاً فیه إلى حد الاستفزاز لیس فقط بسبب اتهام السلطات الإیرانیة بالوقوف وراء الاعتداء على المقرین المذکورین، بل لأنه جعل من الحدث مادة لبروباغندا أرادت لنفسها أن تکون "ذکیة" من خلال تشدیدها على مزاعم من نوع هشاشة الأوضاع العامة فی إیران، وحتى على قرب النظام الإسلامی من الانهیار. وقد تناسى المسؤولون السعودیون وماکناتهم الإعلامیة أن اختراقات أمنیة قد تحدث هنا وهناک مهما بلغت قوة وإحکام الإجراءات الأمنیة، وأن اختراقات أشد خطورة بکثیر قد حدثت فی السعودیة التی اضطرت یومًا ما إلى دفع أجور خیالیة لقوى أمنیة استجلبت من بلد أوروبی للقضاء على حفنة من المسلحین احتلوا الحرم المکی الشریف... وهی تستعین الیوم، على الأقل، بشرکة أمنیة إسرائیلیة وظیفتها حفظ الأمن فی مکة والمدینة خلال فترة الحج، علماً بأن ذلک لا یحل المشکلة حتى لو وضعنا الریبة جانباً وافترضنا أن الوظیفة الحقیقیة لتلک الشرکة الصهیونیة هی الاهتمام بأمن الحجاج لا بتدبیر "حوادث" یذهب ضحیتها آلاف الحجاج. خیارات بائسة وفوق ذلک، سارعت الریاض إلى قطع العلاقات الدیبلوماسیة مع إیران وأوعزت إلى جمیع الدویلات التی تدور فی الفلک السعودی أن تتخذ إجراءات مشابهة. کما قامت طائرات عاصفة الحزم بقصف السفارة الإیرانیة فی صنعاء ما تسبب بأضرار مادیة کبیرة وبسقوط جرحى بعضهم فی حال الخطر. وعمدت فی الوقت نفسه إلى تسعیر الحملات الإعلامیة المشحونة بکل أشکال الافتراء والتحریض والتحشید العنصری والطائفی. ومن الأبواق الذین یملأون غرائرهم من أموال النفط الخلیجی المنهوب من اعتبر أن ما یجری هو مواجهة کبرى "عربیة-فارسیة"، وذلک فی محاولة لإظهار السعودیة بمظهر المنافح عن العرب والعروبة !
وکل ذلک أشاع جواً ملبداً بخطر الدخول فی نزاع عسکری بین البلدین، مع کل ما یلحقه مثل هذا النزاع من مآس وأضرار، إضافة إلى خطر توسعه لیشمل أطرافاً إقلیمیة ودولیة أخرى. لکن، ولحسن الحظ، أمکن - حتى الآن - احتواء هذا الخطر. والفضل فی ذلک یعود إلى صبر الإیرانیین. وخصوصاً إلى حرصهم على العمل بکل السبل من أجل الحیلولة دون دخول بلدان العالم العربی والإسلامی فی نزاعات لا یستفید منها غیر العدو الصهیو-أمیرکی. هل یکفی الإحساس الإیرانی بالمسؤولیة للقول بأن السعودیة ستتوقف عن التصعید وأن خطر المواجهة العسکریة بین السعودیة وإیران قد أصبح مستبعداً؟ لا بالتأکید. لأن عناصر عدیدة ینبغی تحییدها قبل تقدیم إجابة متفائلة. من هذه العناصر، عدم تردد العدید من المراقبین فی وصف المواقف السعودیة التصعیدیة بالسلوک "الجنونی" و"الانتحاری". بمعنى أن الفشل السعودی فی تدمیر الدولة السوریة بعد خمس سنوات من الحرب الضاریة إلى أبعد حد، وارتسام معالم فشل مشابه للحرب السعودیة على الیمن، هو فعلاً من النوع الذی یدفع فعلاً باتجاه الجنون والانتحار. خصوصاً إذا أضفنا إلى ذلک أنواع الأزمات التی تعصف بالوضع السعودی الداخلی بشکل عام. وکل ذلک یضع وجود الحکم السعودی من أساسه فی دائرة الخطر الشدید ویجعل من الهروب إلى الأمام، عبر استفزاز إیران واستدراجها إلى مواجهة عسکریة، خیاراً یراهن آل سعود علیه من أجل خلق أوضاع جدیدة على أمل أن تسهم فی الحیلولة دون استمرار اقترابهم السریع من النهایة الحتمیة. خیار بائس أیاً تکن الزاویة التی ننظر منها إلیه.
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 645 |
||