باختصار: المذهبیون والساحات

زهیر ماجد

کم هی الحیاة رخیصة بنظر بعض المتمسکین بکراسیهم .. وکم بمقدور هؤلاء أن یعیدوا التشوهات فی التاریخ بکل مجازره وأزماته لیکون حاضرا من أجل هذا الکرسی أیضا. ثمة من یدق باب المذهبیة لیعتلی على ظهرها ولیقوم بأکبر عملیة احتیال على شعبه .. الأفق بات ملیئا بأفکار من هذا النوع، الأتراک یلعبون فی هذه المساحة الخطرة التی یجب أن تکون ممنوعة من التداول، فنقلا عن خبیر فی الشؤون الترکیة، أکد أن الرئیس الترکی یتحدث علنا بلغة مذهبیة حیث قال عن رئیس “حزب الشعب” کمال کلیشدار بأنه علوی، ثم هاجم الشیعة لیقول عنهم بأنهم کفرة وکاذبون                       ..
أما المصیبة الأکبر فهنالک أکثر من خمسین محطة فضائیة تبث سموما من هذا النوع بشکل مباشر ومن کل الطوائف. لا تتوقف على مدار الساعة من تسمیم المسلمین، ومن التحریض فیما بینهم، ودفع أجیال غیر واعیة إسلامیة وهی تشکل السواد الأعظم إلى رکوب موجة التمذهب تحقیقا لغایات أبعد من مشروع الممول، أی صاحب الفکرة الأساسیة فی هذا المشروع وهو الإسرائیلی ومن ورائه.

قبل مدة قرأت تقریرا یقول إن استخبارات عالمیة قامت بتخریج أعداد کبیرة وصلت إلى الآلاف من رجال الدین، ودفعتهم لیکونوا خطباء وأصحاب رأی وفتاوى. لا شک أن قسما من هؤلاء انضم إلى الإرهابیین من أجل التأثیر على عقول بحاجة لمن یقدم لها الأفکار التی تلائم بقاءها فی هذا التنظیم “الإسلامی” أو ذاک .. ویلعب هؤلاء دور المحرض أیضا، سواء فی العملیات الانتحاریة أو الانتقالات من بقعة إلى بقعة عبر فتاویهم التی یبثونها، وکلها کاذبة لأنها تصنع الحرام حلالا وهکذا. ویقال إن بعضا من هذه الأعداد توزع فی المنطقة العربیة أیضا وله بالتالی دور أساسی فی تلک الفضائیات التی لا تتوقف عن بث سمومها ضد المسلمین من خلال رفع درجة الحقد بین الطوائف الإسلامیة إلى حدها الأقصى ..

هذا المشروع المذهبی بأن لا یحتاج شرحا عن أهدافه، إنه آخر وأکبر ما تفتقت عنه مراکز الدراسات الاستعماریة التآمریة على الإسلام وعلى المنطقة. الذین رسموا هذا الخط الجدید لیکون صراعا بین المذاهب الإسلامیة، بین السنة والشیعة وبین الطوائف الإسلامیة کلها، فقد أخذوا من التاریخ الإسلامی اجتهادات شخصیة مثلت فهما فی وقتها ثم استحضرت لتکون بذرة التأثیر التآمری على الإسلام، باعتبار أن الصراع بین المسلمین مطلب من أجل تمزیق الوحدة الإسلامیة من جهة عبر صراع المائة سنة کما بشر کیسنجر، ومن ثم تغییر شکل الصراع من أجل فلسطین، ومن ثم القضاء على کل فکر خلاق، وبالتالی إنهاء کل تطلع عربی وإسلامی إلى التنمیات الوطنیة، وقتل روح العروبة فیها، وتشتیت شملها بدل أن تفکر بوحدتها، ورقع وتیرة القتال فیما بینها کی تظل العداوة هی المستحکمة، وأبعاد الشعوب عن التفکیر بمصائرها فی تحدیث نفسها بناء على ما یحدث فی العالم من تطور وتقدم.

حتى الآن یمیل هذا المشروع لتحقیق غایاته، ولولا بعض العقلاء أو من تبقى منهم، لرأینا الصراع الإسلامی فی أوجه .. ورغم الضخ المستمر على المذهبیة التی باتت ظاهرة ولم تعد خافیة، فإن هذا المشروع یتعثر، ولسوف یظل کذلک إلى أن یتم إغلاق البؤر الفاسدة الإرهابیة التی یتم قتالها، فإن تم الانتصار علیها نهائیا تحقق الشرط الأساسی بسد منافذ الخطر على المسلمین وبالتالی على المنطقة برمتها.

الوطن العمانیة