الأولویة العالمیة

د. رغداء ماردینی

یبدو أن بند مکافحة الإرهاب الذی أکدت علیه الدولة السوریة قبل أیّ حدیث عن حلّ سیاسی للأزمة فی سوریة، بات عنواناً رئیساً قبل الشروع فی أی بحث عن تسویة سیاسیة أو حلّ سیاسی للأزمة، لأنه لا معنى لأی بند آخر، ما دامت الأرض السوریة تعیش کابوساً إرهابیاً بمختلف مسمّیاته وعناوینه على ید مرتزقة إرهابیین تلوّثت عقولهم بعفن آل سعود الفکری، فلا حلَّ سیاسیاً قابلاً للحیاة فی سوریة من دون تحقیق الأمن والاستقرار أولاً، وثانیاً من دون المساس بمکونات وسیادة الدولة السوریة فی أیّ حوار مرتقب. 
وما بات یعرف بتوازی مکافحة الإرهاب مع دعم عملیة الحلّ السیاسی للأزمة فی سوریة فی العرف الدولی، وبخاصة من الحلفاء، هو ما یجب التعویل والبناء علیه، لأیّ تقاطعات قادمة، لکن الأکثر أهمیةً، أن الأولویة العالمیة یفترض، أو یجب أن تکون لمکافحة الإرهاب أولاً، وهو ما تضمنه قرار مجلس الأمن ذو الرقم /2253/ القاضی بمکافحة تمویل الإرهاب، باستراتیجیته المتکاملة، کسلة واحدة بالتزامن مع عملیة التسویة السیاسیة للأزمة فی سوریة على الرغم من التعطیل المکثّف والمتعمّد الذی تقوم به الدول الداعمة والممِّولة للإرهاب بشکل علنی وغیر مسبوق وإصرارها على المضی فی دعمها للإرهاب رغم أنف القرارات الأممیة.

ففی جانب المحور الإخوانی- الوهابی، یبرز التقارب الواصل حدّ التطابق العلنی بین ترکیا و«إسرائیل»، بما یخدم المصلحة المشترکة بینهما، ومثله ذلک التطابق فی الوظائف والأجندات بین السعودیة و«إسرائیل» التی أعلنها نتنیاهو صراحةً بقوله «إسرائیل والسعودیة تتکلمان بصوت واحد» وما سبقت إلیه قطر من مدّ جذور بینها وبین «إسرائیل»، وکذلک ما هو معروف عن کل أذناب «إسرائیل» العاملین فی ظلّها.
إذاً، مصلحة «إسرائیل» هی القاسم المشترک الأعظم بین کل دول التآمر على سوریة وأدواتهم، وکذلک هی، القاسم المشترک بین تحالف الغرب الماکر وتبعیته لأمریکا واللوبی الصهیونی الذی تحکم منظماته وأمواله العالم.

تقول المؤشرات، إن حالةً من الهستیریا قد أصابت هذه الدول التی خطّطت منذ سنوات خمسٍ لتفتیت وتقسیم هذه المنطقة بهدف إضعافها، وجعلها کیانات ضعیفة ممزقة مبنیة على أسس مذهبیة وطائفیة لتحقیق هدف «تفوق إسرائیل» على العرب مجتمعین.. الخ، وهو ما برز، ویبرز واضحاً عند أیّ تحرّک سیاسی جادّ یهدف إلى إیجاد تسویة للأزمة فی سوریة، عبر إیعاز دول المنطقة الداعمة والراعیة للإرهاب لإرهابییها بأن یزیدوا جرعات القتل، والتدمیر، والخراب، قدر المستطاع فی محاولات بائسة ویائسة سرعان ما تتهاوى أمام الصمود السوری وقدرته على الإمساک بدفة التحرّکات مهما غلت التضحیات، وهو ما عرفه، وأدرکه العدو قبل الصدیق، والذی تعرّف جیداً إلى الإمکانات والقدرات والإیمان العمیق بالله والوطن، ما أسفر عن إیقاف مؤامرة القرن الإرهابیة عند حدود لم یعد باستطاعة رعاتها تخطّیها أو التفکیر فی استمراریتها، مهما جنّدوا من مرتزقة إرهابیین، ودفعوا من أموال طائلة، واشتروا ضمائر منظمات عالمیة یفترض بها أن تکون حیادیةً وواقعیةً فی تقاریرها ومعلوماتها من حیث تعاطیها مع ما یجری على الأرض السوریة والمنطقة من إرهاب، لا أن تکون أغلبیة تقاریرها مسیّسةً، وتصبّ فی مصلحة تنفیذ المشروع التدمیری المخطط والمعدّ للمنطقة، للأهداف التی بات الفرد العربی والغربی یعرفانها تماماً.
أما «إسرائیل» القاسم المشترک، بین کلّ الأهداف التنفیذیة للإرهاب فی العالم، والتی یعمل علیها عملاؤها، فمازالت تحمل فی تحلیلاتها ومقالات صحفها، وتصریحات مسؤولیها ذاک النَفَس المتقاطع مع المشروع الصهیو- أمریکی- الغربی وبعض العربی، فی المنطقة، وما زالت تعرف الضرورات التی أنشأت من أجلها العلاقات المتمیزة مع محیطها المکوّن من بعض الدول العربیة والإقلیمیة التی أرتأت أن یصبَّ عملها فی خانة الأهداف والنتائج المکوِّنة للمصلحة العلیا لـ «إسرائیل» فمصلحة هؤلاء جمیعاً واحدة، وعلیهم أن یکونوا وفقاً لذلک ید الإرهاب الممتدة إلى بقاع العالم، لخلق حالة الخوف المعول علیها فی تنفیذ الأهداف التی وجد من أجلها «بعبع» الإرهاب فی سوریة بخاصة والمنطقة بعامة، والعالم فیما بعد.
ومن هنا، فهذا التحالف الصهیونی، یمنّی النفس دائماً بتحقیق أهدافه رغم أن المسافة مازالت بعیدةً عن رسم الخرائط المطلوبة، ولاسیما أمام الصمود السوری الذی أوقف، وکشف سواتر الإرهاب، وعرّى خلفیاته، ورعاته، وصار واقفاً مزهوّاً على ضفة الانتصار الذی یؤکد القدرة العقائدیة والمجتمعیة المتینة للشعب السوری، المتوّج بجیش مقدام، وقیادة حکیمة، فکّکت خیوط الإرهاب الممتدة لدول بعینها، ودمرت أهداف وأجندات ما حواه «جراب» الحاوی الأکبر، بمعناه «الشیطان الأکبر».
تشرین