حسم فی مواجهة الارتباک

 القاهرة – فارس ریاض الجیرودی

أطاحت ضربات المقاتلات والصواریخ الجوالة الروسیة بکل الخطوط الحمراء التی حاول داعمو الإرهاب فی سوریة أن یرسموها فی وجهها، سواء من ناحیة التمییز بین التنظیمات المسلحة بمسمیاتها المختلفة والمتعددة، أو من ناحیة التمییز بین المناطق الجغرافیة التی تمارس تلک التنظیمات فیها توحشها وتجاربها الظلامیة فی الحکم والتسلط والإرهاب.
وتعلمنا تجارب الحروب خلال العقود القلیلة الماضیة، أن الجهد العسکری الذی یجمع بین سلاح جو تابع لقوة عظمى ینسق مع قوات بریة متماسکة تعمل على أرض المعرکة، هو جهد ذو أثر تراکمی متدحرج، فأثر الضربات التی ینفذها سلاح جو بإمکانیات هائلة کالأمیرکی أو الروسی قد لا تظهر نتائجها على الأرض بسرعة خلال الأشهر الأولى من المعرکة، لکنها تبقى تنخر فی جسد القوات التی تتعرض للقصف حتى تصل فجأة إلى لحظة الانهیار الدراماتیکی الشامل، والأمثلة کثیرة (من العملیة التی شنتها روسیا لاستعادة الشیشان إلى الحرب الجویة التی شنتها الولایات المتحدة بالتحالف مع ما سمی حلف الشمال الأفغانی فی مواجهة قوات طالبان والقاعدة فی أفغانستان عام 2002، إلى الاجتیاح الأمیرکی للعراق عام 2003)، لذلک تسود معسکر الدول الداعمة للإرهاب فی سوریة حالة واضحة من الارتباک على وقع تصاعد الضربات الروسیة لمواقع قیادات الجماعات الإرهابیة ولمراکز تجمعها وخطوط إمداداها، سبب الارتباک الأهم یعود لتحسس أطراف ذلک المعسکر اقتراب اللحظة التی ستتحول فیها الانتصارات التکتیکیة المتراکمة التی یحققها الجیش العربی السوری فی وجه تلک التنظیمات الإرهابیة على الأرض إلى انتصار إستراتیجی، یلیه انهیار شامل للحالة الإرهابیة فی سوریة بمختلف تسمیاتها.
أما السبب الثانی للارتباک فیعود لنشوء رأی عام فی الدول الغربیة واع للخطر الذی تشکله تلک التنظیمات الإرهابیة على أمن المجتمعات الغربیة، وناقم فی نفس الوقت على حکومات الغرب المتورطة بالحد الأدنى فی التستر على دول حلیفة لها تسلح وتمول الإرهابیین وفی التراخی فی ضرب تلک التنظیمات، حدث ذلک على وقع تصاعد العملیات الإرهابیة التی نفذتها عناصر (عائدة من سوریة أو مرتبطة بقیادات إرهابیة تقاتل فی سوریة) فی مناطق مختلفة من العالم آخرها عملیتا باریس وکالیفورنیا، وأیضاً على وقع النجاحات التی حققتها الجهود الروسیة فی مجال الحرب لکسب العقول والقلوب، وذلک من خلال نشر صور الأقمار الصناعیة التی تظهر الشحنات التی تحمل النفط والسلاح من وإلى تلک التنظیمات عبر أراضی عضو الناتو (ترکیا)، تلک الشاحنات التی تعامى طیران دول التحالف الأمیرکی المعلن ضد داعش من أکثر من سنة ونصف السنة عن استهدافها.
ویظهر لنا أثر حرب المعلومات تلک التی شنتها روسیا من خلال استطلاع رأی قام به الصحفی الترکی عبدالرحمن دیلیباک الذی یکتب فی صحیفة «آکیت» المقربة من حکومة العدالة والتنمیة الترکیة تحت عنوان «من یشتری النفط من داعش؟»، حیث أثبتت النتائج اقتناع أغلبیة الأتراک على شبکات التواصل الاجتماعی بتورط حکومة أردوغان بتمویل تنظیم داعش عبر شراء النفط السوری والعراقی المهرب منها.
الصحفی الترکی نشر الاستطلاع یوم الأربعاء 2 کانون الأول فی صفحته بموقع «تویتر» وبعد ساعة من النشر، بلغ عدد المشارکین فی الاستطلاع 18 ألف شخص، خیروا بین ثلاثة أجوبة هی: «ترکیا الأردوغانیة»، و«روسیا البوتینیة»، و«سوریة الأسدیة»، حیث اختار 12 و10% منهم الخیارین الأخیرین على التوالی، بینما صوت 78% لمصلحة خیار «ترکیا الأردوغانیة».
هذا وأثار الاستطلاع الکثیر من المزاح والتعلیقات بین مستخدمی الانترنت الأتراک، فی حین فسر الصحفی دیلیباک نفسه هذه النتیجة بتقصیر حزب العدالة والتنمیة الحاکم فی «إعلام مواطنی ترکیا بشکل کاف» حول موضوع شراء النفط من «داعش».
هکذا تحولت روسیا والرئیس بوتین فی نظر الرأى العام العالمی وحتى الغربی منه بل حتى الترکی إلى المحارب الأول للإرهاب، فی حین ظهر الغرب بمظهر العاجز فی أحسن الأحوال بل المتواطئ مع الإرهاب وداعمیه، وهی صورة سیدعمها أکثر فأکثر تتالی انتصارات الجیش العربی السوری وحلفائه على أرض المعرکة، ما سیعنی بالتأکید توجیه ضربة قاضیة لمکانة الولایات المتحدة کشرطی للعالم، من هنا نفهم معنى الضربة الجویة التی وجهها طیران التحالف الأمیرکی (المعلن ضد داعش) لموقع من مواقع الجیش العربی السوری فی محافظة دیر الزور، فالضربة التی جاءت بعد عام ونصف العام من تحاشی مهاجمة مواقع الجیش العربی السوری، والتی تلت تصریحات وزیری خارجیة الولایات المتحدة وفرنسا عن ضرورة التعاون مع جیش الدولة السوریة فی مواجهة الإرهاب، تعکس حالة الارتباک التی تسود مراکز صنع القرار فی الغرب تجاه الأزمة السوریة مع انسداد هوامش المناورة أکثر فالأکثر فیما یتعلق بلعبة التواطؤ مع الإرهابیین والرقص معهم فی سوریة، تلک اللعبة التی اعتقدت الولایات المتحدة وحلفاؤها أنها ستکفل لهم دوراً ونفوذا فی مستقبل سوریة السیاسی من خلال تسویة سیاسیة، بعد تلاشی أمل إسقاط الدولة السوریة بالضربة القاضیة.
من علائم الارتباک تلک أیضاً مؤتمر الریاض الهزلی الذی سیسند فیه للراعی الأکبر للإرهاب فی العالم والأکثر تخلفا من الناحیة الدیمقراطیة والمؤسساتیة (السعودیة) مهمة التمییز بین التنظیمات الإرهابیة والمعتدلة وتنظیم معارضة سوریة دیمقراطیة، وهو ما ترافق مع تصریحات للوزیرین کیری وفابیوس سجلا فیها تراجعا عن شرط تنحی الرئیس الأسد لإطلاق التسویة السیاسیة، مستهینین بالتصریحات التصعیدیة التی یطلقها حلیفاهما الإقلیمیان الترکی والسعودی فیما یتعلق بالموضوع.
ومقابل ذلک الارتباک تصر الدولة السوریة مع حلفائها الروس والإیرانیین على أن سقف ما یمکن الحدیث عنه سیاسیا الیوم هو مشارکة الفصائل التی ترتضی العملیة الدیمقراطیة فی حکومة وحدة وطنیة لدعم الجیش الوطنی فی الحرب على الإرهاب، مع إدماج من یملک الرغبة من هؤلاء فی تشکیلات ردیفة للجیش للمشارکة فی تلک الحرب فی ظل الرئیس السوری وما عدا ذلک عبث وإضاعة للوقت والجهد، فما سیحسم مستقبل سوریة وأمنها وأمن المنطقة والأمن العالمی هو تلک المعرکة لا غیر.

الوطن السوریة