تنظیم داعش الإرهابی بین الاستئصال والاستثمار؟

 صیاح عزام

سنتطرق فی هذا السیاق إلى مسألة فی غایة الأهمیة لا تتعلق بنشأة تنظیمات إرهابیة مثل داعش وجبهة النصرة وأخواتهما، وهویة الوالدة الشرعیة لمثل هذه الجماعات الإرهابیة التی أکدت الحقائق والتطورات السیاسیة أنها من صنع الاستخبارات الأمیرکیة والغربیة بالتنسیق مع السعودیة لمحاربة الاتحاد السوفیاتی فی أفغانستان، بل سنتطرق إلى الدور الذی تقوم به داعش ومثیلاتها راهناً فی مسألة أهم، وهی دورها فی معرکة تفتیت الدول العربیة مثل سوریة والعراق والیمن ومصر ولبنان، هذا الدور القذر الذی رسمته الولایات المتحدة عبر استخباراتها وعملائها فی المنطقة لتستثمر فیه باتجاه تحقیق وحمایة مصالحها.
حالیاً- وکما یعرف الجمیع- إن الصراع الدائر فی المنطقة العربیة یدور بین اتجاهین متناقضین:
الاتجاه الأول یحاول استئصال «داعش وأخواتها» من الجذور، وضرب بنیتها السیاسیة والإیدیولوجیة فی الصمیم ضربة قاتلة ونهائیة، وهذا الدور تضطلع به سوریة وروسیا وإیران والمقاومة الوطنیة اللبنانیة بکل حزم ومصداقیة.
والاتجاه الثانی یعمل علناً وسراً على تبنی داعش ودعمها بالمرتزقة والأسلحة المتطورة والقدرات المالیة، لیستثمر دورها فی خطة واضحة المعالم، لإعادة تفتیت ما فتته بالأساس اتفاقیة «سایکس بیکو» قبل مئة عام من الآن، وهذه الخطة سبقت الظهور العلنی والسافر لتنظیم داعش وأخواته، وتجسدت على أرض الواقع عبر غزو العراق وتدمیره فی عام 2003، وعبر الحرب الإسرائیلیة على لبنان صیف عام 2006، عندما جاءت وزیرة الخارجیة الأمیرکیة السابقة «کوندالیزارایس» إلى المنطقة، وصرحت من على متن طائرتها بأن ما تقوم به إسرائیل لیس سوى مخاض ولادة شرق أوسط جدید!
إذاً، من خلال الصراع القائم فی بعض دول المنطقة منذ عدة سنوات تعمل الولایات المتحدة على إدارة هذا الصراع وإدامته عبر عملیة خداع ماکرة لاستغلاله لتأمین مصالحها؛ إذ تشن منذ نحو عام ونصف العام تقریباً غارات جویة «مُلتبسة» على تنظیم داعش بحجة محاربته، بینما النتائج العملیة لهذه الغارات لا تصب فی مجال استئصال هذا التنظیم الإرهابی، بل فی عملیة إبقائه على قید الحیاة وتقویته ومده بالمال والأسلحة الفتاکة من دول حلیفة للأمیرکیین مثل السعودیة وقطر وترکیا وغیرها من الدول الغربیة وخاصة فرنسا وبریطانیا، وذلک لاستثمارها فی المخطط الاستعماری الأمیرکی القدیم- الجدید والقاضی بإعادة صیاغة ورسم خریطة المنطقة العربیة باتجاه تثبیت وتقویة الکیان الصهیونی المصطنع على أرض فلسطین العربیة وتسییده على المنطقة.
فی هذه الأیام- کما أشرنا قبل قلیل- تقوم أمیرکا بغارات على تنظیم داعش تحت ستار محاربته، ولکنها تتسامح مع فتح الحدود الجغرافیة الواسعة لترکیا مع سوریة، لإمداد «داعش» وأخواتها بآلاف المرتزقة على شکل موجات متتالیة، ولإمدادها أیضاً بالأسلحة المتطورة التی تساعدها على الصمود والمزید من التوسع والتمدد جغرافیاً، وبالمساعدات المالیة المفتوحة، إلى جانب مساعدتها على تصریف کل ما تسرقه من ثروات نفطیة من سوریة والعراق، بالتعاون مع حکومة أردوغان ومخابراته، وقد کشفت السلطات الروسیة مؤخراً عملیات التعاون بین عائلة أردوغان وتنظیم داعش فی مجالات سرقة النفط السوری والعراقی والاتجار به وتسویقه داخل ترکیا وخارجها بالتنسیق مع جهات غربیة وإسرائیلیة مع عرض صور ووثائق تؤکد هذه السرقات النفطیة.
وهکذا من خلال ما تقدم یتضح أنه لم یُعد هناک أمر مخفی، فبغض النظر عن نشأة «داعش» وأخواتها، وأن هذه النشأة من صُنع أمیرکا وحلفائها، فإن الدور الأمیرکی المباشر، إضافة إلى دور عدد من الأنظمة المتحالفة مع الأمیرکیین أو الخاضعة لأوامرهم، أصبح واضحاً ومکشوفاً، وهو یصبُّ حالیاً باتجاه تزوید «داعش» بکل مقومات الحیاة والاستمرار والقوة والثراء والقدرات القتالیة المتطورة لاستثمارها فی تنفیذ المخطط القدیم- الجدید لإعادة ترتیب المنطقة من جدید على أسس طائفیة وعرقیة وإیجاد دویلات جدیدة وعمیلة لأمیرکا وللغرب، وکلُّ ذلک بطبیعة الحال یصبُّ فی مجال تأمین ظروف، إقلیمیة مُریحة لإسرائیل، وفی مجال حمایة المصالح الأمیرکیة والغربیة وحمایتها فی المنطقة.

الوطن السوریة