بوتیـن یشــلّ أوبامـا بضربــات موفّقــة.. | ||
بوتیـن یشــلّ أوبامـا بضربــات موفّقــة..
خاص: بانوراما الشرق الوسط
یذکر العالم، کیف أن الرئیس أوباما تعهد فی خطاب الأمة الذی ألقاه مطلع العام الجاری (21 – 01- 2015)، بتحقیق هدفین کبیرین قبل نهایة ولایته: الأول، منع إیران من إنتاج قنبلة نوویة.. والثانی، هزیمة تنظیم”داعش”.. والهدفان تم التسویق لهما إعلامیا، فی إطار الدور الأمریکی “الأخلاقی” لإنقاذ البشریة من الخطر النووی الإیرانی ومن خطر إرهاب “داعش” معا، وفی حال تحققهما، سیدخل الرئیس ‘أوباما’ التاریخ من أوسع أبوابه.. أو هکذا کان یعتقد. تم الاتفاق حول النووی الإیرانی، ونجحت طهران فی بیع أوباما قنبلة وهمیة لا وجود لها إلا فی أوهام الصهاینة الذین خلقوا کذبة إعلامیة کبرى فصدقها الغرب، غیر أن هذا الإنجاز لم یضمن للرئیس ما کان یراهن علیه من تأیید اللّوبی الصهیونی لحزبه، لأن “إسرائیل” کانت ولا زالت تعارض الاتفاق وتعتبره خطأ تاریخیا، یدعمها فی موقفها هذا الحزب الجمهوری وعدید من أعضاء الحزب الدیمقراطی أیضا، ناهیک عن أدوات أمریکا فی المنطقة وعلى رأسهم “السعودیة” التی تتوجس من فقدان مکانتها ودورها الإقلیمی المزعوم، وتشن حربا لا هوادة فیها بتنسیق وثیق مع تل أبیب على سوریة والعراق والیمن وحزب الله لضرب أدرع طهران فی المنطقة، طمعا فی لعب دور شرطی واشنطن فی الشرق الأوسط دون منافس أو منازع، وفق ما تتوهم. أما بالنسبة لتنظیم”داعش”، فلم یکن الرئیس أوباما یتوجس من خطره على الأمن القومی لبلاده، فاعتمد سیاسة احتوائه حتى لا یتمدد لدول الجوار، متعهدا فی ذات الخطاب، بمضاعفة الجهد فی إطار تحالف دولی واسع یضم دولا عربیة “سنیة” لإضعاف “داعش” ووقف تمدده، لأنه وفق قوله، “هزیمة ‘داعش’ تتطلب وقتا وصبرا استراتیجیا قبل دحره”. غیر أن کلام أوباما حول مکافحة الإرهاب لم یترجم نتائج ملموسة على الأرض، وأمام تصاعد الانتقادات للسیاسة الخارجیة لأوباما سواء فی سوریة والعراق أو أوکرانیا ضد روسیا التی تدعم الرئیس الأسد بالسلاح، خرج أوباما شهرا بعد خطاب الأمة لیعلن بنبرة استعلاء واستکبار وشعور بفائض القوة، أن بلاده “مستعدة للیّ ذراع الدول التی لا تنفذ ما تطلبه الولایات المتحدة منها، وأن هناک من یعرض علینا أن نقوم بعمل أکبر (فی إشارة إلى المحافظین الجدد)، وأنا أرد علیهم، أننا نستطیع أن نلحق أذى کبیرا بروسیا وهذا ما نقوم به حالیا”، وبعد هذا الکلام قام البنتاغون بمراجعة عقیدته العسکریة فوضع روسیا على ٍرأس قائمة الأعداء قبل تنظیم “داعش”. *** / *** وحین بلغت الانتقادات لسیاسة أوباما فی سوریة والعراق أوجها، وبدأ الإعلام الأمریکی یشکک فی مصداقیة الرئیس وجدیة حملته الدولیة المزعومة لمحاربة “داعش” بعد أن استولى التنظیم على مناطق جدیدة فی العراق تحت أعین الأقمار الصناعیة وتحلیق الطائرات الأمریکیة، خرج الرئیس فی شهر تموز من الجاری (08 – 07- 2015) لیعلن للرأی العام الأمریکی خطته الذکیة للقضاء على “داعش” فی العراق، فقال دون أن یشعر: “نحن ندرب قوات ‘داعش’، وسنعجّل بتدریب ‘داعش’ والعشائر السنیّة فی محافظة الأنبار”، ثم أکمل خطابه بشکل طبیعی من غیر أن یدرک فداحة الزلة ویعتذر.. أدرک العالم حینها أن الرئیس لا ینطق عن الهوى، وأن السفیه ینطق بما فیه على رأی المثل. لکن ما لم یکن یتوقعه أوباما ولا مخابراته، هو دخول الروسی المفاجئ لمحاربة الإرهاب فی سوریة والمنطقة نهایة شهر أیلول/شتنبر من الجاری، فی رسالة قویة من بوتین تقول، إذا کنتم تعتبرون روسیا عدو أمریکا الأول، وتستطیعون لیّ ذراعها وإلحاق أدى کبیر بها، فها نحن فی سوریة نتحکم فی الأرض والجو والبحر، نتحداکم، وسنفشل أهدافکم ومخططاتکم فی المنطقة، فماذا أنتم فاعلون؟.. بلع الرئیس الأمریکی لسانه، واکتفى بالقول إن “الولایات المتحدة ستتواصل مع روسیا لإبلاغها أن تدخلها فی سوریا مصیره الفشل”.. لکن کیف؟.. لا أحد یعلم غیر “إسرائیل” و”السعودیة” اللتان وصلتا إلى قناعة حاسمة، قاطعة ونهائیة، مؤداها أن الرئیس أوباما مجرد ظاهرة صوتیة.. بدلیل أنه وبعد أن أدرک البنتاغون أن روسیا دخلت بکل ثقلها العسکری والتکنولوجی إلى سوریة لتنتصر، وأعلنت التعبئة العامة فی صفوف قواتها الإستراتیجیة فی روسیا، وحاصرت الولایات المتحدة الأمریکیة نوویا من البحر والجو والبر، وبعثت بمجموعة رسائل عسکریة لمن یهمه الأمر کان أبرزها صواریخ “کالیبر المجنحة” التی رسمت مسار الخطة “ب” لاستبدال الطریق إلى سوریة عبر ترکیا فی حال تم إغلاق مضیق “البسفور والدرد نیل”، بالطریق القدیم عبر إیران والعراق.. خرج المتحدث الرسمی باسم الخارجیة الأمریکیة لیعلن أن واشنطن سترحب بأن “تلعب روسیا دورا بناءا فی محاربة ‘داعش’، على أن لا یکون ذلک لدعم الرئیس الأسد”.. کلام الخارجیة الأمریکیة والهراء سواء، لأنه قوبل بانتقادات لاذعة من قبل الصحافة الأمریکیة وعلى رأسها “نیویورک تایمز” و”واشنطن بوست” اللتان اتهمتا الإدارة الأمریکیة بأنها لا تملک استراتیجیة واضحة، ولا تعرف ما الذی یجب فعله، وأن هناک انفصام بین الجهود العسکریة والجهود الدبلوماسیة الأمریکیة، الأمر الذی سیؤدی إلى فشل الإثنین معا بدل فشل روسیا.. هکذا أصبح أوباما مسخرة بلا رؤیة ولا إستراتیجیة، وأدرک الجمیع أن الرجل ضعیف، وأن استراتیجیته الحقیقیة هی تمریر الوقت لإنهاء ولایته بسلام. “إسرائیل” التی تعرف خبایا السیاسة الأمریکیة، قال أحد کبار محللیها فی صحیفة “معاریف” بتاریخ (01– 10- 2015 )، أن: «الرئیس أوباما لن یفعل شیئا، لأنه بشر، ولدیه القدرة على إقناع نفسه أنه سیأتی الیوم الذی یثبت فیه أن موقفه کان صحیحا، وأنه مثل الجمیع، فهو أیضا یقرأ الواقع بواسطة نظارات تلائمه، وفی الوقت الذی ترسل فیه روسیا طائراتها إلى سوریة، نرى أوباما عالق.. اقرؤوا خطابه فی الأمم المتحدة، مع صفحة الرسائل التی مضمونها “تعالوا نعمل معا للانتصار على الأفکار الـ…..” املأ الفراغ». ثم تختم الصحیفة بالقول: إن “الذی سیعید الولایات المتحدة إلى الشرق الأوسط بقوة، هو خطر واضح وفوری مثلما حدث فی الحربین العالمیتین”.. ولم یمضی شهر بعد ذلک، حتى أسقطت الطائرة المدنیة الروسیة فوق صحراء سیناء.. لکن الرأی العام الروسی لم ینتفض ضد رئیسه، بل ودع شهدائه فی صمت وزاد من دعمه وتأییده لخیار رئیسه.. ثم جاءت کارثة إسقاط الطائرة العسکریة (السوخوی – 24) فی الشمال السوری، وعکس المتوقع، لم یتصرف بوتین بانفعال، ولم یضرب ترکیا کما کانت تشتهی “إسرائیل” وصهاینة البیت الأبیض لجر أرجل الحلف الأطلسی لحرب عالمیة ثالثة لا تبقی ولا تذر.. بل قال بوتین ببرودة أعصاب ما معناه، إذا کنتم تعتقدون أننا سنهرب من سوریة.. فلن نفعل، سنبقى لأننا جئنا لننتصر، وأن ردنا سیکون إستراتیجیا قاسیا، وأن ترکیا ستدفع الثمن غالیا.. *** / *** الرئیس بوتین کان مدرکا منذ أن قرر دخول الحرب على الإرهاب فی سوریة أنه سیثیر سخط وعداء أمریکا وحلفها الأطلسی وأدواتها فی المنطقة، وأن إعلان الحرب على کل هؤلاء جمیعا مهمة مستحیلة تتطلب الکثیر من التکتیک لإنجاح إستراتیجیة إفشال أوباما وحلفائه وأدواته المتناقضة والمتضاربة.. لکن إظهار القوة العسکریة الخارقة والتصمیم على المواجهة أمر مطلوب، لأنک إذا أردت السلام فاستعد للحرب، وقد نجحت هذه الإستراتیجیة فی سوریة وأفشلت محاولة البعض جر الحلف الأطلسی لمواجهة مع روسیا کانت ستؤدی حتما إلى حرب کونیة لن ینتصر فیها أحد.. وفی المقابل، کانت “السوخوی على حق” کما یقول الروائی والأدیب الإریتیری ‘أبو بکر حامد کهال’ صاحب روایة “تیتانیکات أفریقیة” التی أصبحت من روائع الأدب العالمی، لأن “السوخوی تجبر مجلس الأمن على تعلم اللغة الروسیة، وتجبر الفرقاء فی سوریا على التحاور، والسوخوی على لسان وزیر الخارجیة الروسی تطالب بقائمة بالمنظمات الإرهابیة وتقول إن القائمة الأمریکیة قصیرة وفیها محاباة أو تستر، ثم یتساءل فی تغریدات حدیثة له على الفیسبوک وفق ما نقلته قناة “روسیا الیوم” نهایة الأسبوع: – فمن الذی سبق فی محاربة الإرهاب فی سوریا؟.. الجیش السوری أم الکوبانیات؟ (فی إشارة إلى المقاتلات الکردیات).. أم السوخوی؟.. الحق إلى جانب السوخوی ولهذا تم الاستماع إلى صوتها بعد أن ظهرت النتائج المذهلة على الأرض وتقدم الجیش العربی السوری فی أکثر من جبهة ومنطقة، وبذلک، نجحت روسیا فی تعریة واشنطن وأدواتها وفضح کذبهم ونفاقهم وعلى رأسهم السلطان أردوغان الذی تحول إلى رئیس حقیر ومنبوذ.. *** / *** وسر نجاح الإستراتیجیة الروسیة یکمن فی أن الرئیس بوتین رکز على الحلقة الذهبیة فی الإستراتیجیة التخریبیة الأمریکیة، فقرر تحیید ترکیا التی یتدفق عبر حدودها المال والسلاح والمقاتلین لإسقاط مشروع استنزاف روسیا وتحویل سوریة إلى أفغانستان ثانیة، فحول حادثة (سو – 24) من کارثة إلى فرصة.. عزل ترکیا بالکامل وأسقط دورها فی سوریة والمنطقة، وفضح اتجارها بنفط “داعش” ودعمها للإرهاب، وتصاعدت تقاریر من الداخل الترکی تفضح تواطؤ النظام الترکی مع الإرهابیین فی قضیة الکیماوی بالغوطة الشرقیة، وتبین بالدلیل القاطع أنه هو من سلم التکفیریین غاز السیرین، لیتهم العالم الرئیس الأسد فیضطر أوباما للتدخل العسکری وإسقاط النظام بالقوة، بعد أن سبق وأعلن أن الکیماوی خط أحمر فی سوریة.. غیر أن روسیا کانت مدرکة للفخ فسارعت لنزع فتیل الصدام عبر الإتفاق الکیماوی المعلوم صیف 2013، فأفشلت الخطة (الترکیة الصهیونیة السعودیة القطریة)، فخرج وزیر الدفاع الأمریکی ‘هیل’ بعدها لیقول، إن أکبر خطأ ارتکبه أوباما هو عدم الإقدام على ضرب سوریة، لقد کانت فرصة لا تعوض.. فأقاله أوباما من منصبه. نجح بوتین فی إنهاء الحالة الأردوغانیة إذن وإسقاط وهم عودة الإمبراطوریة العثمانیة من البوابة السوریة بالضربة القاضیة، وأعلن أن الشعب الترکی شعب صدیق، لکن لا مجال لعودة العلاقات مع ترکیا فی ظل وجود حکومة أردوغان، ولم یجد السلطان الذی ضاقت به الدنیا وتخلى عنه أسیاده فی أمریکا وأوروبا من باب یطرقه غیر “إسرائیل”، مقدّما على مذبح العلاقات معها حماس وحصار غزة بل وقضیة فلسطین التی کان یتاجر بها لخداع العرب.. وتلک حکایة أخرى یطول شرحها. *** / *** نظام ‘آل سعود’ لا یختلف فی شیئ عن نظام أردوغان، لکن “السعودیة” من دون ترکیا لا تستطیع فعل شیئ فی سوریة، الحدود الشمالیة مقفلة، وفی الحدود الغربیة عیون أسود حزب الله التی لا تنام، الأردن تم تحییده، و”إسرائیل” الإرهابیة لا تستطیع العبث مع روسیا بعد وصول منظومة (إس 300 و إس 400 المرعبة) وإن کانت تصر على سیاسة العربدة بقصف أهداف محددة فی سوریة من حین لآخر بدواعی منع وصول السلاح الإستراتیجی إلى حزب الله ومحاربة الإرهاب فی الجزء المحرر من الجولان، لکن لعبة الرهان على المرتزقة لإسقاط دمشق انتهت إلى غیر رجعة.. وبالتالی، روسیا وإن کانت تعتبر “السعودیة” عدوا خبیثا، ولها مع نظامه حسابات معلقة من أیام أفغانستان وصولا إلى حرب أسعار النفط وغیرها.. إلا أن الدهاء والحنکة السیاسیة تقتضی التقارب مع الریاض من مدخل هواجسها الأمنیة بعد فقدانها الثقة فی أمریکا التی خانتها بالتوقیع على الإنفاق النووی مع إیران، لابتزازها عبر عقود السلاح ومشاریع استثمارات بملیارات الدولارات فی روسیا تعوض الأخیرة عن بعض من خسارتها.. وفی المقابل، دع ‘آل سعود’ ینهارون من الداخل بسبب الخلافات بین عصابة الأمراء، وفساد الإنفاق الذی فاق الخیال فی حروب الزعامة الوهمیة، وها هم ‘آل سعود’ الأغبیاء یغرقون فی المستنقع الیمنی من دون تحقیق نتیجة تذکر بعد 9 أشهر من الخراب والدمار، وحین یصلون إلى حافة الهاویة، سیطلبون من موسکو إنقاذهم لأنهم یدرکون أن أمریکا تخلت عنهم ولن تدفع لبقاء عرشهم ثمنا من دماء جنودها، کما أنها لا تستطیع فرض إرادتها على الجیش الیمنی واللجان الشعبیة الذین یحاربون بالسلاح الروسی لإنقاذ ماء وجه ‘آل سعود’ الجبناء، وقد اعترف أوباما أن إیران لا تدعم الحوثیین إلا معنویا، وکل ما تروجه “السعودیة” حول الموضوع لا أساس له من الصحة.. فمن تحارب “السعودیة” إذن فی الیمن؟.. البقرة “السعودیة” موضوعة الیوم فی الحضیرة، فی انتظار أن تذبحها أمریکا بمعرفتها، لأنه إذا لم یرغب الرئیس أوباما بذبحها فی عهده للقضاء على جذور الشر ومنبع الإرهاب بسبب الحلیب الذی لا زال یقطر من ضرعها، فالرئیس القادم الملیاردیر ‘دونالد ترامب’ سیفعل لا محالة، لأن أمریکا المریضة لا یمکن أن تتعافى بالتحالف مع نظام یفرخ الإرهاب وینشر الموت والخراب فی العالم، خصوصا وأن العالم أجمع أصبح الیوم یشیر بأصبع الاتهام إلى المهلکة باعتبارها المسؤولة عن انتشار الإرهاب فی کل أرجاء المعمور، بفضل مال الریع والفکر والوهابی التکفیری الشریر، وأن لا إمکانیة للقضاء على الإرهاب إلا بالقضاء على منابعه الفکریة والتمویلیة.. لقد أصبح مجرد التعامل مع نظام ‘آل سعود’ تهمة أخلاقیة فی الغرب، بدأت الحکومات المنافقة تدفع ثمنه من أصوات الناخبین، ولنا فی ما حدث فی فرنسا المثال.. وهذه مجرد بدایة. *** / *** بوتین کان یدرک أن حربا کونیة من هذا النوع والحجم یجب أن تخاض على کل الصعد والمستویات، عسکریا وإعلامیا ودبلوماسیا وسیاسیا.. * عسکریا من خلال “عاصفة السوخوی” والطائرات الإستراتیجیة والصواریخ المجنحة وأسلحة فتاکة أخرى کثیرة.. * إعلامیا من خلال القنوات الروسیة التی أصبحت تنافس الیوم إمبراطوریات الإعلام الأطلسیة بما توفره لها الدوائر الرسمیة الروسیة من مواد ومعلومات تشبع نهم الرأی العام الغربی المتعطش لمعرفة الحقیقة.. * دبلوماسیا من خلال تسویق الصورة الحقیقیة للحرب الکونیة فی سوریة والتهدید الداهم الذی أصبح یشکله الإرهاب على العالم أجمع، وخطأ الرهان على تغییر الأنظمة بالقوة، وخطورة الاستثمار فی الإرهاب من أجل تحقیق أهداف سیاسیة انتهازیة، وضرورة التقید بشرعة الأمم المتحدة، والالتزام بمقتضیات القانون الدولی، ومراعاة مبادئ الأخلاق فی العمل السیاسی، واحترام قیم وثقافات الشعوب، والتخلی عن وهم نظریة “نهایة التاریخ” و”صراع الحضارات” التی جلبت الکوارث وتهدد العالم بالفناء.. * وسیاسیا من خلال البحث عن حل تفاوضی للأزمة السوریة ینهی الصراع ویحیل دون تفاقمه وانتقاله إلى دول ومناطق أخرى، خصوصا بعد الذی حدث فی العراق ولیبیا والیمن، وما یحدث فی سیناء وتونس ونیجریا ومالی وأفغانستان وباکستان، على سبیل المثال لا الحصر، خصوصا بعد أن أدرکت روسیا العلاقة الوثیقة بین الثورات الملونة والإرهاب، وبدأ الترویج لمصطلح جدید فی کتابات المحللین الإستراتیجیین الکبار یتحدث عن “آسیـا الوسطى الکبرى” على غرار مصطلح “الشرق الأوسط الکبیر”، ما ینذر بقرب اندلاع الثورات الملونة فی المحیط “الجیوبولیتیکی” الروسی وانتقال الإرهاب إلى عقر بیت القیصر، بفضل الدور الخبیث الذی یلعبه السلطان أردوغان لحساب العم سام، وهو ما یؤشر إلى أن روسیا ستعمل على تفجیر ترکیا من الداخل، خصوصا بعد أن استدعى الرئیس بوتین زعیم “حزب الشعوب الدیمقراطی” الترکی المعارض ‘صلاح الدین دیمیرتاش’ لزیارة موسکو، واللبیب بالإشارة یفهم. لکن أهم ما فعله بوتین وفاجأ به أوباما أیما مفاجأة، بحیث وضعه فی موقف صعب لا یحسد علیه، وأرغمه على مراجعة سیاساته تجاه روسیا وسوریا والمنطقة، بعد أن أدرک أن لا خیار لدیه لربح المواجهة، لأن أوباما الذی کان یعتقد أن بوتین یلاعبه على رقعة الشطرنج، تبین أنه کان ینازله أمام العالم على حلبة الجودو، وهذا النوع من المصارعة لا یتقنها أوباما، فشلّ حرکاته بضربات ذکیة موفقة وأسقط أهدافه التی أعلنها فی خطابه للأمة التی افتتحنا بها هذا المقال.. فکیف ذلک؟.. المفاجأة الأولى، تتعلق بما کان أوباما یعول علیه کإنجاز تاریخی بعد الإتفاق النووی الإیرانی، حیث استفاق سید البیت الأبیض على مشهد جلوس الرئیس بوتین فی حضرة الإمام الخامنئی جلسة المرید فی حضرة شیخه، وانتهى اللقاء الودی بتحالف إستراتیجیی عسکری واقتصادی وفی مجالات أخرى کثیرة، فأدرک الرأی العام الأمریکی أن رفع الحصار عن طهران لن یفید الاقتصاد الأمریکی، وأن روسیا هی من ستستفید منه، وستتحول إیران إلى قوة إقلیمیة عظیمة بدعم روسی وصینی، وبالتالی، ستتحکم فی مفاتیح السلم والاستقرار فی المنطقة، وستصبح المصالح ألأمریکیة تحت رحمتها، وأنه یستحیل على أوباما بعد الیوم إیجاد توازن “سنی” لمعادلة هذه القوة الرهیبة التی ظهرت فجأة فی المنطقة، وجمعت بین روسیا وإیران والعراق وسوریة ولبنان، والیمن لن یکون بعیدا عن هذا التحالف بعد ما أحدثته “السعودیة” من کوارث فی حربها ضد شعب لم یکن یهددها.. أما المفاجأة الثانیة والتی لم تکن لتخطر على بال الشیطان، فتمثلت فی قفز الرئیس بوتین للملعب الأمریکی فی الداخل، وهذه المرة لعب على الوتر الحساس الذی یؤلم کل زعیم غربی، ونقصد بذلک ورقة الانتخابات التی یقرر فیها الشعب وحده من یختاره رئیسا.. تصدر الملیاردیر الأمریکی فجأة استطلاعات الرأی حول الانتخابات الرئاسیة المقبلة بنسبة فاقت کل التوقعات ( 42 %) متجاوزا بذلک کل المرشحین، وذکرت صحیفة “فاینانشال تایمز” الشهیرة أن السر فی هذا النجاح یعود لاقتباس ‘ترامب’ نهج الرئیس بوتین الذی یراه الأمریکیون “مثال الزعیم الناجح، ویلمسون فی دبلوماسیته قیامه بحرکات لعبة الجودو لا الشطرنج”، حیث رکز فی استراتیجیته على خطر الإرهاب والإسلام المتطرف على العالم الغربی، وهو ما یحظى بتأیید شعبی واسع ویستحوذ على قلوب الناخبین، بدلیل الشعبیة الکبیرة التی اکتسبها بوتین فی حربه على الإرهاب التکفیری، وتصریح ‘ترامب’ الأخیر حول الخطر الإسلامی، کان المقصود به “الإسلام الوهابی السعودی”، وکان ‘ترامب هو أول من أشار إلى أن “السعودیة” هی مجرد بقرة سیتم ذبحها حین یستنفذ حلیبها، وأن تصریحه حول “الإسلام” قصد به “الإسلام السیاسی المتطرف” لا الإسلام کدین وعقیدة فی إشارة إلى الوهابیة تحدیدا، وطالب المسلمین بحل هذه المعضلة التی هی مشکلتهم فی الأساس، وتهجم الأمیر ‘طلال’ الشدید على ‘ترامب’ یؤکد أن ما قصده الملیاردیر الأمریکی هو “إسلام الزیت” بالمعنى السیاسی لا الإسلام بالمعنى الدینی. وترجح مصادر إلى أن سبب حملته على “السعودیة” یعود إلى کون الأخیرة هی من تمول حملة ‘هیلاری کلینتون’ المنافسة المحتملة لحزب الحمار.. وبلغ الأمر بـ’ترامب’ أن أعلن صراحة إعجابه بالقیصر، واحترامه له، واستعداده للتعاون معه فی حال فوزه بالرئاسة، وبوتین بفطنته وذکائه لعب اللعبة بشکل متقن، فبادل ترامب الإعجاب بالإعجاب والاحترام بالاحترام، وأبدى استعداده للتعاون معه فی حال نجح فی الاستحقاقات الرئاسیة المقبلة، وهو ما ترجحه بقوة دوائر استطلاعات الرأی ومراکز الدراسات الأمریکیة. کما وأن الإعلام الأمریکی المتصهین لم ینجح فی تشویه صورة بوتین بالرغم من ترکیزه طویلا على تسویق صورة نمطیة زائفة تقدمه للرأی العام کـ”دیکتاتور مستبد”.. غیر أن لا شیئ یمکن إخفائه فی عصر الاتصالات وثورة المعلومات، إذ سرعان ما اکتشف الشعب الأمریکی أن روسیا لیست کما یصورها الإعلام الأمریکی الکاذب، بل هی واحة للحریة والدیمقراطیة ودولة المؤسسات والقانون، وأن بوتین نجح فی عقد من الزمن فی تحویلها من دولة فاشلة منهارة إلى قوة عالمیة عظمى، وأعاد الاعتبار للقیم القومیة والثقافیة والأخلاقیة والدینیة للمجتمع الذی توحد خلفه، وضاعف من فرص الاستثمار ومناصب الشغل فانفتح الشعب الروسی على العالم، وأصبح الاقتصاد الروسی یوازی قوة الاقتصاد الألمانی، وتجاوزت القوة العسکریة الروسیة من حیث الأسلحة المتطورة والتکنولوجیا ما وصل إلیه الغرب فی هذا المجال.. کما أدرک أوباما أن انتصار روسیا على الإرهاب فی سوریة سیعری عورته أمام الجمیع، وسیحول الرئیس بوتین إلى زعیم عالمی یتمتع بالکثیر من الجدیة والمصداقیة، بل أخطر من ذلک، سیدفع دولا کثیرة فی المنطقة للتحالف معه، وسیحفز الناخب الأمریکی لحسم الاستحقاق الرئاسی لصالح ‘ترامب’ بدل ‘هیلاری کلینتون’، وأن الواقعیة السیاسیة تقول، بأنه إذا لم تنجح فی إفشال خصمک فتحالف معه.. وهذا ما حصل بالفعل، حیث سارع أوباما لعقد صفقة التسویة مع روسیا حول سوریة، طمعا فی أن یکون شریکا للروسی فی الانتصار لقلب معادلة الانتخابات الأمریکیة لصالح حزبه وفق ما یتوهم.. لکن، هل یمکن الثقة فی النوایا الأمریکیة؟.. التجربة تقول لا حتى یثبت العکس، ولهذا السبب تحفظت دمشق عن التعلیق على التسویة وإن کان السید ‘بشار الجعفری’ قد أعلن موافقة بلاده الرسمیة على قرار مجلس الأمن 2254 الذی تضمن بنودها الأساسیة، فی انتظار أن تتبلور تفاصیلها، لاکتشاف الذئاب التی تختبئ خلفها.
خاص بانوراما الشرق الاوسط - | ||
الإحصائيات مشاهدة: 673 |
||