المرحلة الثانیة من تقسیم المنطقة بدأت: ما هو بدیل “داعش”؟ | ||
ماهر الخطیب – النشرة على الرغم من تسارع الأحداث فی منطقة الشرق الأوسط، على نحو غیر مسبوق تحت عنوان محاربة الإرهاب، باتت الصورة التی ترسم فی دوائر صنع القرار لهذه المنطقة الإستراتیجیة واضحة. وهی تقوم بشکل أساسی على إعادة توزیع مراکز النفوذ، بطریقة تنهی مفاعیل إتفاقیة سایکس-بیکو التی قسمت أراضی السلطنة العثمانیة السابقة، إلا أنها لن تکون قادرة على إخراجها من دائرة الصراعات الدمویة فی وقت قریب، بل على العکس من ذلک تمهد الطریق لأخرى لا یمکن أن تنتهی فی یوم من الأیام. من هذا المنطلق، ینبغی التوقف عند ما صدر مؤخّرًا من واشنطن والریاض، بعد أیام قلیلة على إعلان رئیس الوزراء الترکی أحمد داوود أوغلو عن تحالف لمحاربة الإرهاب بین بلاده والسعودیة، ودعوة وزیر الدفاع الأمیرکی آشتون کارتر الدول العربیة “السنیة” إلى بذل المزید من الجهود، فی محاربة تنظیم “داعش” الإرهابی، حیث أعلن الرئیس الأمیرکی باراک أوباما أن بلاده ستحارب الإرهاب أکثر من أی وقت مضى، بالتزامن مع إعلان السعودیة عن تحالف إسلامی لمحاربته مقره الریاض، تحت عباءة منظمة “التعاون الإسلامی”. بالنسبة إلى مصادر سیاسیة مراقبة، ما تقدم لا ینفصل عن إرسال أوباما لکارتر إلى الشرق الأوسط، للعمل على التنسیق مع حلفاء واشنطن فی محاربة “داعش”، ولا عن کلام وزیر الخارجیة الإماراتی أنور قرقاش الّذی أعرب عن استعداد بلاده للمشارکة فی قوات بریة لمحاربة التنظیم الإرهابی الأخطر على مستوى العالم، بعد تنفیذه العدید من الهجمات التی هزت الرأی العام العالمی، من باریس إلى سیناء إلى بیروت وصولاً إلى کالیفورنیا، ولا عن إرسال أنقرة قواتها العسکریة بموافقة الولایات المتحدة، إلى مخیمات تقع بالقرب من مدینة الموصل العراقیة، فی إشارة إلى أن الدور المطلوب من المنظمات الإرهابیة إنتهى، وبالتالی سیتمّ الإنتقال إلى المرحلة الثانیة من المشروع السیاسی. وتشیر المصادر نفسها، عبر “النشرة”، إلى أنّ التقدم الحاصل على صعید أکثر من ملف یبدو لافتاً، فهی تضع فی الإطار السابق إنعقاد مؤتمر قوى المعارضة السوریة فی الریاض، لجمعها فی إطار موحد، هدفه المعلن تشکیل وفد یفاوض الحکومة السوریة، لکنه یهدف عملیاً أن یشکل إطاراً لجسم سیاسی وعسکری، یتولى ملء الفراغ الذی سیخلفه القضاء على “داعش” فی المرحلة المقبلة، وکذلک الأمر بالنسبة إلى مؤتمر روما المخصص لبحث الأزمة اللیبیة، وترى المصادر أن الإعلان عن وقف لإطلاق النار فی الیمن، یمهد الطریق إلى بدء مفاوضات سیاسیة فی سویسرا، یأتی ضمن السیاق نفسه، الذی یحمل عنوان مکافحة الإرهاب على قاعدة التقسیم الأمنی والعسکری. من وجهة نظر هذه المصادر، لم یکن “داعش”، ولا “الخلافة” التی أعلنها بزعامة أبو بکر البغدادی مشروعاً سیاسیاً یملک مقومات البقاء على قید الحیاة، لکن کل الخطوات التی قام بها فی السنوات الأخیرة تأتی فی مسار موحد، یقوم بشکل رئیسی على الإستفادة من الفوضى المرتکزة على ضرب المؤسسات العسکریة الوطنیة فی الدول التی یتواجد فیها، من أجل تکریس واقع جدید لا یمکن تجاوزه عند إطلاق الحرب على الإرهاب، التی جاءت بشعارات دعم السکان المحلیین فی المناطق المحتلة من قبله، سواء کان ذلک عبر تقدیم الدعم إلى الأکراد، فی سوریا والعراق، أو عبر تسلیح العشائر العربیة، لتکون البدیل المناسب، بعد ترسیخ عوامل الإنقسام المذهبی والعرقی. وتوضح المصادر السیاسیة المراقبة أن المعضلة الکبیرة، التی کانت تعیق الإنطلاق إلى المرحلة الحالیة من المشروع، تمثلت فی غیاب قوات برّیة سوریة قادرة على مساعدة طائرات التحالف الدولی، لا سیما أن الدول الغربیة غیر راغبة فی إرسال جنودها بأعداد ضخمة، إلا أن حلها کان عبر تأمینها من بعض الدول العربیة والإسلامیة، کما بات واضحاً فی التحالف الجدید الذی تم الإعلان عنه، لیل أمس، من العاصمة السعودیة، وتضیف: “شعوب المنطقة کانت على مدى السنوات السابقة تدفع ثمن المشهد الذی یراد رسمه فی الأیام القلیلة المقبلة”. فی ظل هذه المعطیات التی تکونت سریعاً، خصوصاً بعد الدخول العسکری الروسی المباشر إلى قلب المنطقة، ترى هذه المصادر أنه یمکن فهم جملة من الأسئلة التی بقیت دون أجوبة طوال الفترة السابقة، أبرزها حول أسباب التغاضی عن نمو الجماعات الإرهابیة فی سوریا والعراق، لا بل تقدیم کل أنواع التسهیلات والدعم لها، عسکریاً ومالیاً وبشریاً، وعن السماح لها بالتقدم والتوسع من دولة إلى أخرى على الرغم من إعلان الحرب علیها من أقوى دول العالم. فی المحصلة، دخلت منطقة الشرق الأوسط المرحلة الثانیة من مشروع تقسیمها، الذی بدأ أولاً عبر المنظمات الإرهابیة، وسیستکمل عبر محاربته، لتتکون فی نهایة المشهد مشاریع دول مذهبیة وعرقیة لدیها کل أسباب النزاع فیما بینها متى دعت الحاجة إلى إشعالها. بانوراما الشرق الاوسط | ||
الإحصائيات مشاهدة: 3,181 |
||