شریان الإرهاب

د. رغداء ماردینی

یبدو أن الغرب لم یدرک بعد أن علیه مکافحة الإرهاب الذی تمدّد، واخترقه فی عقر داره، إضافة إلى عشرات بل مئات الخلایا النائمة فی أحضانه التی تهدّد أمنه واستقراره.. على الرغم مما یقال عن أن هذا الغرب ذاته مضطر لتنسیق الجهود فی مکافحة الإرهاب، عبر التصریحات العلنیة وغیر العلنیة، یدفعه الخوف الذی یسکنه من وباء الفکر الوهابی الظلامی، نتاج عته آل سعود الفکری الذی یغزو العالم، مهدداً أمنه واستقراره بلغة القتل والذبح التی لا یجید سواها. 
إن آلیة النقاش لا تظهر عناوینها إلا إذا وضع /الإسقاط الإرهابی/ على طاولة البحث، من حیث دراسة الضرورة، والأهداف، والأجندات التی على الغرب أن یعیها قبل غیره وقد رحّبت الدولة السوریة, وفتحت باب التعاون على مصراعیه لجمیع الراغبین حقیقةً فی استئصال هذا السرطان «الداعشی» الممتد والمهدّد للمجتمعات الآمنة.. وهذا ما أکده أیضاً تحالف قوى المبدأ والأخلاق من روسیا، إلى إیران، إلى المقاومة، إلى کل دولة تعی جیداً ماذا یعنی وصول سیف الإرهاب الوهابی إلیها، وتالیاً، ماذا یعنی مشروع التقسیم الذی بنت دول المؤامرة أعمدته على إرهاب تلک التنظیمات التکفیریة المتسلسلة بأجیالها، الواحدة بعقیدتها.
واستناداً إلى هذا، مَنْ یتشدق بضرورة محاربة الإرهاب والقضاء على تنظیماته، لا یتبنّى أجنداته التدمیریة، إلا إذا کان هو الممول الوحید له، والدافع الخلفی لبقاء تنظیماته الإرهابیة، وتسهیل ما تقوم به من مخطط مرسوم لسوریة بخاصة وللمنطقة بعامة، وهو ما تقوم به السعودیة وقطر وترکیا شریان الإرهاب, وقد عزموا على تفتیت الدولة السوریة, بما ضخوه, ویضخونه من أموال لسفّاحی الدم الذین نشؤوا على أیدیهم, وتغوّلوا بأموالهم، وتشبعوا بفکرهم الدموی الوهابی-الإخوانی تنفیذاً لما یریده اللوبی الصهیونی، الـــذی مازالـــت مملکـــة آل سعود تستقوی, وتشتری نفوذها من خلال نفوذه فی العالم، حمایةً لعرشها، وانطلاقاً من المصلحة المشترکة بینها وبین «إسرائیل»، من حیث الدور, والوظیفة المنوطة بهما حیال هذه المنطقة.
ومن هنا یأتی السؤال الأهمّ کیف یمکن للدول الراعیة والداعمة للإرهاب أن تقدم الحلول السیاسیة، أو تسمح لعربة التسویة السیاسیة أن تسیر، وهی التی تقیم استراتیجیة بقائها على مدى ما یحققه هذا الإرهاب من توسّع وأهداف؟
فقط المنفصلون عن الواقع هم الذین یصدقون ذلک.
ومن هنا، تأتی تصریحات الصغار وأقزام السیاسة، وفاقدی العقول، ومشوشی الرؤیة، ومعاکسی المنطق، بعد التطور الملحوظ والکشف الواقعی والمجتمعی لما یحدث على الأرض حالیاً بالأبعاد العسکریة والسیاسیة, لمصلحة الحضور السوری – الروسی المشترک فی میدان مواجهة الإرهاب التی لن تترک مجالاً لکل الطامعین بتنفیذ الأهداف، وخرق الأمن القومی، على النحو الذی رسمته الأدوات, وهدم بنیان الدول، واختراق سیاداتها.. على الرغم مما بدا، من مغازلة الکیان الصهیونی التی یقوم بها بعض دول الخلیج، من خلال الاحتفال بعید الأنوار «حانوکاه» الیهودی الذی صار على أراضی تلک الدول النفطیة تقلیداً یحتذى, ولأول مرة فی العلن, وبوقاحة لیست غریبة عنها.. وما یقوم به آل سعود من بناء وتمویل للمستوطنات الإسرائیلیة فی فلسطین المحتلة، على حساب حقوق الشعب الفلسطینی, وبأموال الشعب السعودی الذی یؤمن, بنسبته العظمى, بما یفعله آل سعود بأمواله المهدورة على قتل الشعوب، من سوریة، إلى الیمن، إلى کل الدول التی امتدت أذرعهم التکفیریة، التخریبیة، العسکریة، إلیها، على أرضیة الحقد، والطائفیة، والتفتیت المذهبی، خدمةً لمشروع الإرهاب العالمی الذی تقوده أمریکا صاحبة نظریة القطب الأوحد وحلفاؤها للسیطرة على مقدرات العالم, وآثاره, واقتصاده، ونفطه الذی شرّعته سیاساتهم الرعناء لأجیال التنظیمات الداعشیة، ولصوصهم والمتستّرین بعباءات المشیخات ذاتها من إرهابیین بلبوس «المعارضة المعتدلة» الخادمة لمشیئة تلک السیاسات.
مکافحة الإرهاب، تحتاج إرادات الدول الصادقة، وتحتاج تغییراً فی السیاسات المتبعة حیاله فعلاً من حیث دعمه, وتمویله, والتغطیة علیه، على المستوى الغربی- الأمریکی، ولیس فقط بإیماءات الرؤوس، وإبداء الحماسة فی التصریحات الإعلامیة، عندما یطول الإرهاب دیارهم فقط، بل عبر الدخول فی تحالفات حقیقیة جادة وفعالة، قادرة على استئصاله من جذوره، قبل أن یقال: لیت الذی جرى ما کان، وهو أمر منوط تحقیقه بدول الغرب التی لم تستطع إلى الآن التخلص من تبعیتها لأمریکا التی یعرف الجمیع، أنها عدو الشعوب, وتضع استراتیجیة بقائها ومصلحتها أولاً, ولو کان فی ذلک سفک دماء العالم کله، ولیس دم المنطقة، أو سوریة فحسب، إذا اقتضت مصالحها ذلک.
تشرین