روسیـا – ترکیـا.. على أعتـاب حـرب شاملـة | ||
روسیـا – ترکیـا.. على أعتـاب حـرب شاملـة
سوریــة.. المنطقــة العازلــة تحققــت منذ اندلاع الأحداث فی سوریة والسلطان أردوغان یمنی النفس بإقامة منطقة آمنة تتیح له ضم الشمال السوری إلى مشروع سلطنته الوهمیة، لتقطنه الأقلیة العرقیة الترکمانیة النقیة بعد تطهیرها من جنس الأکراد وسلالة العرب جمیعا، لإیمانه أن الأخوة بین ترکیا والترکمان تمتد من شمال اللاذقیة إلى القوقاز، وفق ما أعلن صراحة بعد سقوط الطائرة الروسیة (سو – 24).. وهو الإعلان الذی فهم الرئیس بوتین خطورته على أمن بلاده، فی إطار البعد القومی الذی تسعى أنقرة للعب على أوتاره على امتداد الجغرافیة السیاسیة لمناطق تواجد الترکمان، والتی تبدأ بانفصال منطقة الشمال السوری وانضمامها إلى ترکیا کمرحلة أولى، فی ما المرحلة الثانیة تقتضی استنهاض ما یناهز 18 ملیون ترکمانی روسی للمطالبة بالانفصال عن روسیا، وفق المشروع الأمریکی والأطلسی لتفتیت الاتحاد الروسی. وبالنسبة للشمال السوری، ها هو القدر یستجیب لخلیفة دواعش العصر فیحقق أمنیته الغالیة، لکن فی الاتجاه المعاکس، حیث عزل الرئیس بوتین ترکیا بالکامل عن سوریة، فحرق أوراق السلطان أردوغان بالکامل، ولم یترک له دورا یلعبه فی الجغرافیة السوریة ولا مکانا یحجزه على طاولة المفاوضات السیاسیة، وفتح بذلک الطریق سالکا للجیش العربی السوری وحلفائه لتدمیر أوکار “الذئاب الرمادیة” الترکیة التی أعدمت الطیار الروسی قبل أن ینزل بمظلته على الأرض.. وکانت تقاریر إعلامیة متقاطعة أشارت نهایة الأسبوع، إلى أن إنقاذ الطیار الروسی الثانی کان بعملیة بطولیة قادها الجنرال قاسم سلیمانی شخصیا بکوماندوس من حزب الله والجیش العربی السوری خلف خطوط الإرهابیین، وأنقذوا أیضا طائرة هلیکوبتر روسیة بطاقمها تعرضت لإطلاق نار فی المنطقة.. الیوم، لم یعد بمقدور الجیش الترکی العربدة بغربانه الجدیدة، لا فوق سوریة فحسب، بل وفی مجاله الجوی الخاص على الحدود الجنوبیة مخافة تعرضها لرد انتقامی مدمر من السلاح الروسی المرعب، أمام هذا والواقع المریر، لم یجد أردوغان من سبیل للتصعید غیر نشر دباباته على الشریط الحدودی قبالة الریف الشمالی للاذقیة، واستهداف مواقع الجیش العربی السوری بالقذائف الناریة من حین لآخر، لیثبت للمغفلین من حلفائه الأعراب أنه زعیم قوی لا یزال صاحب الید الطولى فی سوریة، وأنه لا یخاف روسیا.. هذا، فی ما الوقائع تؤکد أن نشر الجیش الترکی لـ 10 آلاف جندی فی المنطقة هو لغلق هذا المقطع من الحدود الممتد على طول 100 کلم بضغط من أوباما الذی حذره من مغبة التعرض لرد أوروبی قاس إذا تقاعست أنقرة عن ضبط حدودها ونجح الإرهابیون فی تنفیذ هجمات جدیدة على أوروبا، وهی الرسالة الجدیة التی حملها الرئیس الفرنسی هولاند للرئیس أوباما أثناء لقائه به هذا الأسبوع فی واشنطن. ویأتی هذا التطور الدراماتیکی بعد أن دمرت الطائرات الروسیة قوافل إمدادات أردوغان “الإنسانیة” لـ”جبهة النصرة” و”أحرار الشام” بالسلاح من معبر باب الهوى وباب السلامة، منهیة بذلک لعبة ضخ المقاتلین والسلاح إلى سوریة عقب إنهاء سرقة النفط السوری وتصدیره عبر الأراضی الترکیة بتدمیر أکثر من 1.000 شاحنة صهریج تعود لنجله ‘بلال’ الذی کشفت وسائل إعلام روسیة الجمعة، صورا فاضحة له إلى جانب قادة فی تنظیم “داعش”، هذا فی الوقت الذی لا یزال أردوغان یصر بوقاحة منقطعة النظیر أنه لا یتاجر بالنفط مع “داعش” ولا یسلح الإرهابیین فی سوریة.. ولم یکد السلطان یواجه هذه المعضلة الخطیرة التی أثبت للعالم بالدلیل الملموس أن أردوغان وأفراد من أسرته بمساعدة مخابراته هم من یمولون الإرهاب عبر تجارة النفط المنهوب، حتى انفجرت فی وجهه فضیحة ثانیة کشفت عنها صحیفة “جمهورییت” الترکیة حین نشرت مواد إعلامیة تؤکد إرسال ذخائر لمسلحی “داعش” فی سوریة تحت ستار “المساعدات الإنسانیة”، فلم یجد أردوغان من حل لها غیر اعتقال الصحفی ورئیس تحریر الصحیفة المذکورة، فی انتهاک صارخ لحریة التعبیر التی یکفلها الدستور وینص علیها قانون الإعلام الترکی، ما استحق علیه السلطان لقب الدیکتاتور بامتیاز. خلفیــة التصعیــد الروســی.. مما سلف، یستفاد أن الخلفیة الحقیقیة للتصعید الروسی ضد ترکیا، وکما أکدنا فی مقالة سابقة، هو إدراک الرئیس بوتین لأبعاد وخطورة المشروع الأمریکی – الترکی الذی یهدف إلى ضرب الأمن القومی الروسی من خلال تدریب وإعداد آلاف المقاتلین الشیشانیین والقوقازیین والإیغوریین ومن آسیا الوسطى فی شمال اللاذقیة لاستنهاض القومیة الترکمانیة فی روسیا للمطالبة بانفصالها عن الوطن الأم، وهذا بالتحدید هو ما أغضب الرئیس الروسی وجعله یقتنع بفکرة الانخراط العسکری لمحاربة الإرهاب فی سوریة، على ضوء المعلومات الدقیقة التی قدمها له الجنرال قاسم سلیمانی خلال زیارته السریة الأولى لموسکو والتی احتجت علیها الإدارة الأمریکیة بقوة، وکل الأطروحات التی تروج لمقولة أن “التدخل” العسکری الروسی فی سوریة جاء لحمایة الرئیس الأسد من السقوط هی محض تضلیل، وإن کان الأمن القومی السوری جزء لا یتجزأ من الأمن القومی الروسی کما أصبح واضحا. وإسقاط الطائرة الروسیة (سو – 24) فی نفس المنطقة التی نتحدث عنها، کان بمثابة الصاعق المفجر لحقیقة الأزمة وطبیعة الصراع فی بعده الجیوسیاسی، الأمر الذی استوجب استحضار السلاح النوعی الروسی إلى المسرح السوری فی رسالة تصعیدیة تشمل ترکیا والحلف الأطلسی معا.. حتى “إسرائیل” انتابها الرعب من حادثة إسقاط الطائرة الروسیة (سو – 24) بعد أن أدرکت أبعادها الخطیرة، فقال أحد کبار مسؤولیها العسکریین، أن جیش بلاده لن یتعرض للطائرات الروسیة حتى لو خرقت مجال الکیان المحتل، وهو الأمر الذی علقت علیه الصحافة الصهیونیة بالقول، إن خوفا حقیقیا ینتاب القیادة فی تل أبیب من الدب الروسی الذی أصبح یتحکم فی الفضاء السوری والترکی و”الإسرائیلی” بفضل منظومة (إس 400) القاتلة، وأنه یجب تجنب استفزاز بوتین عندما یکون غاضبا، لأن الرجل لا یتراجع أبدا ومفاجآته لا یمکن توقعها.. “إسرائیل” تعلم أن المستهدف بمنظومة (إس 400) لیس الطائرات فحسب، لأن مثل هذه المهمة تستطیع القیام بها بنجاح منظومة (إس 300) فی نسختها البحریة انطلاقا من الطراد الروسی القابع قرب شاطئ اللاذقیة، بل المستهدف هی الصواریخ البالیستیة ومنظومة الدرع الأمریکیة والأطلسیة، وهی رسالة تتجاوز التهدید الترکی أو “الإسرائیلی” لتطال التهدید الأطلسی فی حال فکر الأخیر فی دعم مغامرات أردوغان الجنونیة، وهناک حدیث عن عزم موسکو فتح قاعدة عسکریة جدیدة وسط سوریة وتزویدها بمنظومة (إس 400) إضافیة وصواریخ (إسکندر إم) البالیستیة المدمرة، تحسبا لأی تطور دراماتیکی محتمل، ناهیک عن منظومة الحرب الإلکترونیة التی لو تم تفعیلها لأصابت طائرات وصواریخ الحلف الأطلسی بالشلل التام.. وهو الأمر الذی علق علیه أحد القادة العسکریین الصهاینة بالقول، کنا نقیم الدنیا ولا نقعدها ضد تزوید إیران بمنظومة (إس 300) الروسیة، فإذا بروسیا تزود سوریة بمنظومة (إس 400) وأسلحة أخرى لا نعرف نجاعتها، ولا نملک أمام هذا التطور الخطیر إلا الرجاء أن تسحبها موسکو حین یستقر الوضع فی سوریة.. والحقیقة، أن الموقف “الإسرائیلی” هذا، إنما یعبر عن قلق عمیق بسبب ببروز الدور الروسی فی المنطقة وانکفاء الدور الأمریکی، ولا تملک تل أبیب أمام هذا المتغیر إلا الصمت فی انتظار أن ینجلی غبار الحرب وتتضح الصورة. لمـاذا قـرر بوتیـن التحالـف الإستراتیجـی مع إیـران؟.. ما لم یبرزه المحللون بشکل واضح وأثار جنون السلطان أردوغان، وقادة الکیان الصهیونی المجرم، وعصابة ‘آل سعود’ و’آل ثانی و’آل خلیفة’ الیهود، وکل من یدور فی فلکهم من المنافقین الأعراب، هو إقدام الرئیس الأرثودکسی المؤمن أبو علی بوتین بزیارة إمام المسلمین وقائد المجاهدین السید علی الخامنئی فی طهران، حیث جلس بین یدیه جلسة “المرید إلى شیخه” بتعبیر ‘جمال خاشقجی’، وقدم له نسخة من أقدم مصحف کریم کتب فی روسیا، الأمر الذی فهم على أنه إشارة رمزیة لها دلالة دینیة بلیغة مؤداها، أن مرجعیة الإسلام القرآنی السمح الجمیل ومنارة الأخلاق المحمدیة النبیلة توجد هنا فی طهران، لا فی أنقرة عاصمة النفاق التی تروج لـ”إسلام” أمریکی متوحش ومعولم، ولا فی الریاض منبع التطرف والفکر التکفیری الذی أصاب بشروره العالم أجمع. وقد عبر ‘جمال خاشقجی’ فی مقالته الأخیرة فی صحیفة الحیاة بعنوان “خطر بوتین على السعودیة”، عن هذه الحقیقة بالقول، أن هناک قلق حقیقی أصاب ‘السعودیة’ عقب التصعید الأخیر مع ترکیا، مرده الخوف من أن تتکرر حادثة الطائرة الروسیة، موضحا: “نحن تقریباً فی حال حرب مع الروس على رغم کل الزیارات والاجتماعات والابتسامات، وعاجلاً أم آجلاً ستتداخل السعودیة وقطر وترکیا مع المعارضة السوریة فی نظر بوتین، فبعدما یفشل فی هزیمتها (وفق ظنه)، سیبحث عن أحد یلومه، ولن یجد غیرنا”، کاشفا بذلک الدور الخبیث الذی تلعبه بلاده لحساب أمریکا بهدف إفشال روسیة وفق ما یتوهم، متجاهلا أن أوباما الذی ورط أردوغان وتخلى عنه فی محنته لن یدافع عن ‘آل سعود’ حین تحین ساعة الحقیقة، وسیکتفی من الروسی بضمان مصالحه، ما دام العالم کله یجمع الیوم على أن خطر الإرهاب مصدره النظام الوهابی القائم فی مملکة الشر والظلام “السعودیة”، وهذه هی قواعد اللعبة الجیوسیاسیة کما تقتضیها العقلانیة بین الکبار. لکن رب ضارة نافعة، فـ”السعودیة” التی تعتقد واهمة أن تحالفها مع العثمانیین الجدد سیساعدها على تدمیر سوریة لتتربع على عرش المنطقة کزعیمة للعرب والمسلمین السنة، فاتها أن تقرأ التاریخ الحدیث بالعمق المطلوب، وتأخذ من تصریحات السلطان أردوغان العبرة، وهو الذی دشن أولى خطواته عند وصوله إلى سدة الحکم فی ترکیا بالقول “مساجدنا ثُکننا، قبابنا خُوذاتنا، مآذننا حرابنا، والمصلون جنودنا، وهذا الجیش المقدس یحرس دیننا”، وهو القول الذی استذکره الرئیس بوتین لاتهام أردوغان بأنه یعمل على أسلمة الدولة الترکیة فی اتجاه التشدد والغلو لإحیاء مشروع إمبراطوریة أجداده الأتراک المقبورین، وتقویض أسس الدولة العلمانیة التی أسسها کمال أتاتورک. ولو کانت “السعودیة” فهمت عمق هذا الکلام، وأدرکت بعد ذلک معنى قول أردوغان أن “الله لا یقبل الشریک، والدولة العثمانیة لا تقبل الشریک، وعلى الجمیع أن یعی ذلک جیداً”، لوصلت إلى نتیجة حاسمة مفادها، أن العالم العربی أصبح بالنسبة لترکیا هدفا مشروعا لإعادة بسط سلطة الخلافة انتقاما من العرب الذین أسقطوها مطلع القرن الماضی.. وأن “الأخونة” التی بدأت فی تونس وانتقلت إلى مصر ویعمل على التمکین لها فی لیبیا والیمن وفلسطین، برغم الانتکاسات التی منیت بها، لن تنتهی حدودها عند بلاد الشام، بل کانت ستطال “السعودیة” نفسها وکل مشیخات الخلیج، لیسود “الإسلام” العثمانی المتطرف جغرافیة العالم العربی، ویصبح المسلمون وحوشا فی خدمة الإمبریالیة الغربیة یذبحون ویفجرون ویخربون فی إیران وروسیا والصین.. وبدل أن یهاجم ‘آل سعود’ الأغبیاء الرئیس بوتین لدخوله الحرب ضد الإرهاب فی سوریة، ویصرون من غبائهم على تنحی الرئیس الأسد بالحل السیاسی أو الخیار العسکری اعتمادا على سلاح الإرهاب، کان یفترض بهم أن یشکروا الرئیس بوتین وحلفائه الشرفاء الذین أوقفوا ترکیا عند حدها وحطموا أوهام أردوغان الإمبراطوریة، فأنقذوا بذلک “السعودیة” ومشیخات الخلیج(الفارسی) وکل العالم العربی والإسلامی من شر مستطیر کان یتربص بهم لإنهاء وجودهم کدول بعد الإعلان عن سقوط حدود “سایکس وبیکو” القدیمة.. لکن وکما یقول ‘أینشتاین’، “شیئان لا أعرف لهما حدودا، الکون وغباء آل سعود” (بتصرف).
لکن ماذا عن سیناریوهــات المواجهــة؟.. هناک سیناریوهین یتم تداولها بقوة فی المرحلة الراهنة فی مواجهة ترکیا، الأول سیناریو العقوبات، والثانی سیناریو الحرب.. السیناریو الأول قد لا یکون بدیلا عن الثانی، بل یمثل أرضیة خصبة لمزید من التصعید الذی قد ینتهی حتما إلى التفجیر فی حال لم تتراجع واشنطن وترغم “کلبها المسعور” کما قال بوتین بالتزام حدوده وعدم التطاول على أسیاده الشرفاء الذین قرروا تنظیف المنطقة من زبالة التکفیریین.. ومفاد ذلک، أن الرئیس بوتین قرر تحویل کارثة الطائرة إلى فرصة، فمن جهة، هو یعلم علم الیقین أن أمریکا وأدواتها عازمون على إفشاله فی سوریة من خلال استراتیجیة الاستنزاف الطویل الأمد، الأمر الذی سینهک اقتصاد بلاده وسیرغمه على الانسحاب وفق ما یتوهمون، لذلک قرر بوتین التصعید بهدف الحسم، لیس مع الإرهاب فحسب، بل ومع داعمیه وأولهم ترکیا.. ما یعنی، أن أمام أوباما خیاران لا ثالث لهما، إما التخلی عن رهان الاستنزاف بضخ مزید من الإرهابیین والسلاح إلى سوریة من قبل أدواته الإقلیمیة، أو سیقوم بوتین بمهاجمة ترکیا عند أول خطئ یرتکبه أردوغان، ویمکن أن یکون التفجیر باستهداف طائرات أردوغان داخل المجال الجوی الترکی بعد أن أصبحت تصنف من القوى المعادیة التی تشکل خطرا على القوات الروسیة.. نقول هذا، لأن هناک معلومات تسربت عقب زیارة وزیر الخارجیة السوری السید ولید المعلم إلى موسکو مؤخرا، تؤکد أن بوتین وبعد إسقاط الطائرة، قرر إرسال قوات بریة من النخبة إلى الساحة السوریة، وخصوصا إلى منطقة الشمال للقضاء على الإرهابیین الأسیویین فی أماکن تواجدهم قبل أن یرسلوا إلى روسیا، وهو الأمر الذی سیدفع ترکیا حتما للتدخل بشکل من الأشکال فی محاولة یائسة لحمایتهم بحجة حمایة الإخوة الترکمان من جهة، ومحاربة إرهاب الأکراد الذین تدعمهم روسیا ویهددون أمن السلطنة على امتداد الشریط الحدودی مع سوریة.. هذه هی المصیدة الروسیة الجدیدة التی فی حال سقط فی فخها السلطان المغرور أردوغان، فسیفاجأ برد مدمر لن یجد من یدفعه عنه.. خبراء عسکریون روس تحدثوا عن الإستراتیجیة الروسیة لحرب شاملة مع ترکیا لموقع (Politonline.ru) نهایة الأسبوع، تقوم على سیناریو حرب خاطفة ومدمرة تجنبا لحرب کلاسیکیة طویلة، ویرکز هذا السیناریو المرعب على المبادرة بشن حرب عنیفة وقاسیة ستضطر معها موسکو لاستخدام الأسلحة النوویة التکتیکیة لاستهداف البنیة العسکریة الترکیة دون المدنیة، من مطارات وطائرات وموانئ ومخازن السلاح ومراکز القیادة والسیطرة والتحکم خلال الساعات القلیلة الأولى من الحرب، لنزع أنیاب الجیش الترکی بالکامل وإجباره على الاستسلام.. ویعتقد الخبراء الروس، أن موسکو ستضطر فی هذه الحالة لاستعمال صواریخها البالیستیة (إسکندر إم) لتدمیر الدفاعات الجویة ومنظومات الصواریخ والرادارات، یتبعها مباشرة توجه بوارج بحریة وقوات خاصة لاحتلال المضائق (مضیق البوسفور ومضیق الدردنیل) خشیة من إقدام ترکیا على إغلاقهما فی وجه البوارج الروسیة. وبخصوص حلف الناتو، یقول الخبراء، بالرغم من أن ترکیا عضو فیه، وما یعنیه ذلک من لجوئها للمطالبة بتفعیل المادة الخامسة، إلا أن قرارات الحرب تتخذ فی الحلف بالإجماع لا بالأغلبیة، ومواجهة روسیا لیست نزهة لما تمثله من مخاطر حقیقیة على مجمل أوروبا، الأمر الذی سیضطرها لمناقشة وتحدید من هو المعتدی، لأن العدوان شیئ والاعتداء شیئ آخر مختلف، الأمر الذی قد یدفع الحلف للتملص من التورط فی حرب نوویة قد تدمر الأرض ومن علیها.. وهذا یعنی بموازین القوة، إما تراجع أردوغان عن أوهامه العثمانیة وانسحابه بالکامل من التدخل فی سوریة بهدف إفشال روسیا، أو التضحیة بترکیا حفاظا على الحیاة فوق کوکب الأرض، وفی هذا بوتین لا یراوغ وقطعا لا یمکن أن یتراجع ما دام یرى أن الحرب التی یخوضها فی سوریة هی حرب وجود ومصیر للأمة الروسیة کما هی لمحور المقاومة أیضا.. والإشارة، فکل الحروب التی خاضتها روسیا ضد ترکیا انتصرت فیها، وهذه المرة لن تکون استثناءا بالمطلق.. فهل سینجح الرئیس بوتین فی فرض الأمر الواقع بشکل یتیح له إدارة اللعبة وفق الشرعیة الأممیة والقانون الدولی لما فیه مصلحة الأمن والاستقرار فی المنطقة والعالم، ما دامت أمریکا ترفض محاربة الإرهاب فی إطار تحالف دولی تحت مظلة الأمم المتحدة، وتصر على صب المزید من الزیت على النار فی المنطقة اعتقادا منها أن الحریق لن یصل إلى عقر دارها؟.. هذا ما سیتضح على هامش المؤتمر العالمی حول المناخ الذی سیعقد فی باریس مطلع الأسبوع، حیث ستشهد أروقته جهودا محمومة لاحتواء غضب بوتین قبل فوات الأوان..
أحمد الشرقاوی/خاص بانوراما الشرق الاوسط | ||
الإحصائيات مشاهدة: 669 |
||