بوتیـن.. الخیانـة أمریکیـة و الطعنـة ترکیـة | ||
بوتیـن.. الخیانـة أمریکیـة و الطعنـة ترکیـة
ما من شک أن جنون العظمة أعمى السلطان أردوغان لدرجة أنه فقد البصر والبصیرة حین انصاع لتحریض أوباما بإسقاط الطائرة الروسیة لکسر هیبة روسیا وتمریغ أنف بوتین فی التراب، ولم یتصور للحظة، أنه بإقدامه على هذا العمل الطائش والبالغ الخطورة، سیدق إسفینا عمیقا فی العلاقات الودیة التی کانت تربط ترکیا بروسیا، ویضحی بمصالح بلاده الإقتصادیة والتجاریة ومشاریع روسیة المستقبلیة التی کانت ستعزز من دور ترکیا وموقعها الجیواستراتیجی بین الشرق والغرب.. وإذا کان أوباما قد سعى من وراء هذا الإستفزاز الرخیص لاختبار ردة فعل بوتین ومعرفة إن کان سیتراجع عن اندفاعته الحازمة فی حرق الأوراق الأمریکیة فی سوریة من خلال استهداف کل الفصائل الإرهابیة المتطرفة و”المعتدلة” وفق التصنیف الأمریکی، اعتقادا منه أن الدب الروسی لن یقدم على الرد العسکری الذی سیجر حتما رجل الناتو للدفاع عن ترکیا، فإن أردوغان من جهته یکون هو من سقط فی الفخ برهانه على الوهم، اعتقدا منه أن المظلة الأطلسیة ستضمن له تحقیق مشروع إقامة منطقته العازلة فی الشمال السوری، وفق ما أعلن بوقاحة مباشرة عقب إسقاط الطائرة الروسیة، ما یؤکد أنه حصل على موافقة ضمنیة بذلک.. بوتین کشف الیوم فی المؤتمر الصحفی الذی عقده بمعیة الرئیس الفرنسی هولاند فی موسکو، أن القیادة العسکریة الروسیة فی سوریة، وفی إطار التنسیق القائم فی الجو مع تحالف أمریکا، تمد القیادة الأمریکیة مسبقا بمعلومات دقیقة حول توقیت وأماکن عمل الطائرات الروسیة تجنبا لأی صدام محتمل فی الجو، لکن، والکلاام للرئیس بوتین، یبدو أن هذا المعلومات استغلتها أنقرة للغدر بترکیا، حیث تبین من معلومات کشفتها مدیرة مکتب المیادین فی سوریة قبل یومین، أن الطائرات الترکیة ومن ورائها الأمریکیة کانوا یتربصون بالسوخوی 24 فی کمین محکم.. کلام بوتین، یفضح کذب أردوغان “کلب أمریکا المسعور”، والذی حاول المراوغة من خلال القول فی حدیث لقناة “السی إن إن” أمس، أن ترکیا لو کانت تعلم أن الطائرة روسیة لتصرفت بخلاف ما حدث، لکنه رفض الإعتذار، ورفض دفع الأضرار، ورفض معاقبة من ارتکبوا الجریمة فی حق الطائرة الروسیة بمخالفتهم لبروتوکول التنسیق الجوی القائم بین روسیا وتحالف واشنطن الذی تعتبر ترکیا عضوا فیه، وتنطلق الطائرات الأمریکیة من قواعدها العسکریة، هذا علما أن الطیار الروسی الناجی أکد أن طائرته لم تتلقى أیة إشارة ضوئیة أو تحذیر من طائرات (إف 16) الترکیة، وأن الإستهداف کان مباغثا. لکن ما لم تکن تتوقعه أمریکا وکلبها المسعور أردوغان، هو أن النتائج جاءت عکس کل التوقعات، حیث خلق الرئیس بوتین مفاجأة من العیار الثقیل على المستوى السیاسی باتهامه علنا لترکیا بأنها دولة داعمة للإرهاب، وعلى المستوى العسکری من خلال قرار التصعید على مختلف الجبهات السوریة المفتوحة وبکثافة نیران غیر مسبوقة، وبشکل خاص فی الجبهة الشمالیة، وتحدیدا فی ریف اللاذقیة الشمالی و وفی مراکز المعابر بین ترکیا وسوریة.. سحقت الطائرات الروسیة مجامیع الترکمان الإرهابیة فی منطقة سقوط الطائرة، وقتلت الأتراک الذی أطلقوا النار على الطیار الروسی أثناء هبوطه بالمظلة، وتساءل الرئیس الروسی: «ماذا کان یفعل الأتراک هناک؟»، لیتبین وفق خبیر عسکری روسی، أن لترکیا مجموعات عسکریة منظمة تسمى “الذئاب الرمادیة”، تعمل فی منطقة الترکمان وفی الشمال السوری، وهی من تنسق مع المجامیع الإرهابیة داخل الأراضی السوریة.. وقد کان لافتا الیوم استهداف الطائرات الروسیة لقوافل شاحنات دخلت سوریة من معبر باب الهوى وباب السلامة وبها شحنات سلاح موجهة لـ”جبهة النصرة” و “أحرار الشام” الإرهابیة، الأمر الذی أثار غضب أردوغان، فاتهم روسیا بقصف المساعدات الإنسانیة، ولو صح هذا الأمر کما قال بوتین، فالمفروض أن المساعدات الإنسانیة تدخل بالتنسیق مع الأمم المتحدة، الأمر الذی لم یتم بالمطلق، متهما ترکیا بدعم الإرهاب لا بمحاربته. لکن حقیقة الأمر تتجاوز مسألة الترکمان الذین یتباکا على مصیرهم أردوغان زورا وبهتانا، لأن الرئیس بوتین اکتشف أن الخطورة على أمن بلاده القومی ستأتی مستقبلا من هذه المنطقة التی حولتها أمریکا وترکیا والحلف الأطلسی إلى معسکرات متقدمة لتدریب الشیشانیین والقوقازیین والإرهابیین المستقطبین من وسط آسیا وإقلیم الإریغور الصینی، الأمر الذی دفع بالرئیس بوتین لاتخاذ قرار حاسم بسحق المجامیع الإرهابیة فی هذه المنطقة وعلى طول الحدود السوریة الترکیة، حیث تعمل الطائرات الروسیة المدعومة بالدفاعات الجویة والأرضیة على بعد کیلومیتر واحد فقط من الحدود الترکیة.. وبالتالی، فقرار إسقاط الطائرة الروسیة له علاقة وطیدة بهذه القضیة تحدیدا، وهو ما فهمه الرئیس بوتین بوضوح، فرد علیه بتکثیف الطلعات الجویة بأسراب مضاعفة من الطائرات الحربیة مدعومة برا بهجمات منظمة من قبل الجیش العربی السوری وحلفائه، کما أنه (أی الرئیس بوتین)، قرر دعم أسطول الطائرات العاملة فی سوریة بسرب جدید من 12 طائرة کدفعة أولى مشکلة من (سو 27) و (سو 30 )، على أن یصل العدد الإجمالی فی الأیام القلیلة القادمة إلى 70 طائرة من مختلف الأنواع، تضاف إلى 67 العاملة حالیا فی سوریة، هذا بالإضافة لزیادة نشاط القادفات الإستراتیجیة فوق سوریة، وهی طائرات مدمرة لا تستعمل إلا فی الحروب الکبرى ضد الأهداف الإستراتیجیة لا المجامیع الإرهابیة. وبموازاة ذلک، وضع الطراد الروسی المعروف باسم “قاتل حاملات الطائرات” بالقرب من المنطقة قبالة شاطئ اللاذقیة، فأقفل بذلک السماء السوریة من العربدة الترکیة وغیرها، حیث أعطت القیادة العسکریة الروسیة الأمر بتفعیل منظومة صواریخ (إس 300) بنسختها البحریة ضد أی هدف غیر مرخص له بالتحلیق یظهر فی فضاء المنطقة، مع الإشارة إلى أن روسیا أنهت التعاون العسکری مع حلف داعمی الإرهاب بعد أن استغلت أمریکا المعلومات الروسیة لإسقاط طائرتها، وأصبح العمل فی الفضاء السوری من دون خطوط حمر، وأی خطأ من جانب المتآمرین قد یکلفهم غالیا هذه المرة.. وإذا کانت منظومة صواریخ (إس 300) منظومة دفاعیة وفق التصنیف العسکری الروسی، فإن قرار بوتین بنقل منظومة (إس 400) الدفاعیة – الهجومیة إلى قاعدة حمیمیم العسکریة حیث وصلت مساء الیوم بطائرات نقل عملاقة، فقد فهمها الرئیس أوباما کرسالة تصعیدیة مقلقة وغیر مسبوقة، مفادها، أننا لن نکتفی بالدفاع فقط، بل ومستعدون للهجوم فی حال ارتکاب أیة حماقة جدیدة ضد القوات الروسیة فی سوریة ومن أیة جهة کانت، وهو ما علق علیه مسؤول أمریکی کبیر لوکالة “سبوتنیک” الروسیة، والذی فضل عدم الکشف عن هویته، إن “الأمر یتعلق بنظام سلاح حدیث یمثل تهدیداً حتمیا کبیراً على الجمیع، بما فی ذلک طائرات التحالف بقیادة الولایات المتحدة”.. ولمزید من التوضیح أمر الرئیس بوتین بتکلیف البوارج الحربیة فی بحر قزوین بمهمة جدیدة تتعلق بالإستعداد لاطلاق صواریخ “کالیبر” عند الضرورة، وهو ما فهم على مستوى الحلف الأطلسی بأن بوتین غاضب جدا، ومستعد للمواجهة.. الرسائل العسکریة الروسیة الموجهة لأمریکا وحلفها الأطلسی وفق التفسیر الإستراتیجی، تعنی، أن بوتین قرر هذه المرة الجمع بین العامل الدفاعی والعامل الهجومی فی نفس الوقت، وأن روسیا بإشهارها لهذا السلاح النوعی الخطیر لا تسعى للتصعید مع أیة جهة کانت، لأن ما یهمها هو سحق الإرهاب دفاعا عن أمنها القومی وأمن حلفائها والسلم العالمی، وأن زمن التفرد بمصیر الدول والهیمنة على قرار الشعوب السیادی قد ولى إلى غیر رجعة، لکن روسیا مستعدة عند الضرورة لتحویل الردع إلى قوة فاعلة ضد کل من یخطئ الحساب، ولن تقبل بعد الیوم أن تخدش کرامتها.. لا نعلم ما الذی یخطط له الرئیس أوباما بالنسبة للقادم من الأیام، لکن اللافت، أن قوات أمریکیة دخلت الیوم الأراضی السوریة، هذا فی الوقت الذی نشرت ترکیا دباباتها على الحدود مع سوریة، وهناک حدیث متزاید عن معارک بریة حاسمة، یبدو أنها ستقاد من قبل فرق کومندوس روسیة وصلت إلى سوریة، بالإضافة إلى لواء من الجیش الروسی مزود بالمعدات الثقیلة من دبابات وأسلحة نوعیة انتشر فی وسط سوریة بین دمشق وحلب.. والحدیث یدور فی الکوالیس عن قرب انطلاق معرکة حلب الکبرى التی ستحسم الحرب مع الإرهابیین وداعمیهم فی المیدان، الأمر الذی یجعل من مؤتمر فیینا والحدیث عن التسویة السیاسیة فی سوریة حدیثا بلا معنى، فالجمیع یراهن الیوم على الحسم فی المیدان.. حتى المراهق السیاسی وزیر خارجیة ‘آل سعود’ کرر معزوفته المشروخة الیوم بقوله، إن الخیار العسکری لا یزال قائما فی سوریة، وهذا مؤشر على أن الأمریکی لیس مستعدا بعد للإعتراف بالأمر الواقع والتسلیم لروسیا بالتفوق العسکری فی سوریة وحقها فی الدفاع عن مصالحها المشروعة.. لذلک، قد یکون القول بأن الحرب بدأت الآن صحیحا، وبالتالی فالحرب بالوکالة مرشحة لتتوسع إلى أکثر من ساحة فی المنطقة، من سوریة إلى العراق فالیمن وسیناء ولیبیا، بعد أن ظهرت مؤشرات بقرب انضمام مصر لحلف روسیا..
أحمد الشرقاوی/ خاص: بانوراما الشرق الوسط
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 666 |
||