کیف یصبح الفرد داعشیًا؟ الأسباب و سبل المعالجة | ||
بعد تفاقم أزمة الإرهاب خلال السنوات الماضیة و ما تمخض عنها من تداعیات خطرة، أُجریت الکثیر من الدراسات لمعرفة أسباب هذه الظاهرة وسبل مواجهتها على المستویین الإقلیمی و الدولی.
و برز باحثون کثیرون فی هذا المجال فی طلیعتهم البروفیسور جون هورجان مدیر مرکز جامعة بنسلفانیا الدولی لدراسة الإرهاب و الذی یعتبر من أبرز علماء حقل علم النفس السیاسی، خاصةً ما یرتبط بالجماعات الإرهابیة. و یُعد کتابه "سیکولوجیة الإرهاب" واحدًا من أهم الکتب فی مجال التحلیل النفسی للإرهابیین.
و رکّز هورجان فی هذا الکتاب على إرهاب الجماعات المسلحة، و میّز بین الجهود القدیمة من أجل فهم "عقلیة الإرهابی" و بین الجهود الحدیثة التی تکشف عن حقائق مهمة عن التطور السیکولوجی لإنضمام الأفراد إلى الجماعات الإرهابیة. و توصل إلى نتیجة فحواها أن دراسة سیکولوجیة الإرهاب حقل غیر متقدم، و أرجع ذلک إلى الذین یسعون إلى حلول سریعة وبسیطة لإشکالیة الإرهاب، دون الأخذ بعین الاعتبار الإسهامات الأکادیمیة و الإشکالیات التی ظهرت مؤخرًا فی هذا المجال.
ویعتبر هورجان أن نقطة الانطلاق فی دراسات الإرهاب تتمثل فی الإجابة عن التساؤلات التالیة: کیف ینخرط الأفراد فی الإرهاب؟ وکیف یُناط بهم دور معین فی التنظیمات الإرهابیة؟ وکیف یتم تجنیدهم فی هذه التنظیمات؟ وغیرها من الاسئلة. ویرى أن أهم مرحلتین فی تطور سلوکیات الإرهابی تتعلقان بتکوین فکره وعقیدته المتطرفة لإعداده فی الإنخراط السریع فی العملیات الإرهابیة. و یؤکد أن الإعتقاد بإمکانیة علاج مشکلة الإرهاب من خلال برامج اجتثاث التطرف(Deradicalization Program) فقط أمر غیر مجدٍ، ویحذر کذلک من تصعید حملات السخریة بالجماعات الإرهابیة عبر مواقع التواصل الإجتماعی، لأن ذلک -بحسب رأیه- یأتی بنتیجة عکسیة. و یشیر إلى مسؤولیة الحکومات الغربیة عن انتشار الإرهاب، سواء نتیجة فشل سیاسات مکافحة الإرهاب التی تتبعها هذه الحکومات، أو بسبب تولد الشعور بالانتقام لدى أقارب بعض الضحایا الذین تعرض ذووهم لغارات طائرات بدون طیار، کما حصل و یحصل فی أفغانستان على سبیل المثال. و إکتشف هورجان أن الأفراد الأکثر قبولًا للإنضمام إلى صفوف الإرهابیین و المیل إلى التطرف یمیلون إلى:
– الشعور بالغضب و العزلة عن الآخرین، أو الحرمان. – الإعتقاد بأن مشارکتهم السیاسیة لن تمنحهم القدرة على إحداث تغییر حقیقی. – التماهی مع من یتصورون أنهم ضحایا الظلم الإجتماعی الذی یدّعون محاربته. – الشعور بالحاجة إلى القیام بفعل ما، بدلًا من الإکتفاء بالتحدث عن المشکلة. – الإعتقاد بأن إنخراطهم فی العنف ضد الآخرین لیس عملًا غیر أخلاقی. – وجود أصدقاء أو أقرباء یتعاطفون معهم. – الإعتقاد أن الإنضمام إلى تنظیم ما سوف یمنحهم تعویضًا نفسیًّا و إجتماعیًّا، مثل روح المغامرة، و الرِفاقیة، والشعور بالذات.
فی هذا السیاق قام علماء نفس آخرون بدراسة السمات الفردیة للإرهابیین، بحثًا عن أدلة یمکن أن تفسر إستعدادهم للإنخراط فی العنف، لیس فی الشرق الأوسط فحسب، بل فی جمیع أنحاء العالم. و توصلوا إلى أن هناک أربعة أنماط ممیزة فی العقلیة الإرهابیة بغض النظر عن الدافع، نشیر الیها على النحو التالی:
1) یبدأ الطریق إلى الإرهاب بظهور شعور قوی للفرد بالاغتراب، وأنه ضحیّة، لیجد مبررات - من وجهه نظره - فی ارتکاب العنف. وعلى الرغم من إجماع الباحثین أنه لا یوجد لحظة محددة یتحول عندها الفرد إلى إرهابی، فإن وقوع الفرد ضحیّة یولد عنده الشعور بالانتقام؛ ما یدفعه إلى الإنضمام إلى الجماعات الإرهابیة، التی قد یجدها تتبنى قضیته. 2) الحیاة داخل الجماعة: فالسلوک الإرهابی یتطور بفعل الدینامیکیة الجماعیة. وتفترض إحدى النظریات أن الأشخاص أثناء وجودهم فی جماعات، یمیلون إلى إتخاذ قرارات ذات مخاطر عالیة، باعتبار أن المخاطرة مشترکة، فهی لیست مخیفة بالقدر الذی سیشعر به الفرد إذا ما قام بالمخاطرة بمفرده. فکلما أصبحت الجماعة متطرفة أکثر، أصبح الفرد متطرفًا أکثر، خاصةً عندما تقدم له الجماعة دعمًا مادیًّا ونفسیًّا وفکریًّا. 3) الترسیخ العقائدی بدون مبررات واضحة للأفعال الإجرامیة التی یرتکبها التنظیم الإرهابی. وفی هذا المجال هناک مفارقة واضحة فی عقلیة الإرهابی؛ فإذا کان هدفه هو خلق عالم ینتصر فیه للأبریاء من جماعته، فکیف له أن یقتل أبریاء آخرین لیصل إلى هدفه؟! ولکی یخرج الإرهابی نفسه من ذلک التناقض یقنع نفسه بأنه لابدّ من التضحیة بأبریاء آخرین لتحقیق هدفهم. 4) الإنخراط فی الجرائم الإرهابیة بدافع الانتقام، أو بدافع الضغط من قبل الجماعة، أو الدعم المادی الذی ستحصل علیه أسرة الإرهابی أو القیام بذلک من أجل رمز أو قائد، وغیر ذلک.
وهنا لابدّ من إثارة هذین التساؤلین؛ الأول: ما السبیل إلى أن یتوقف الإرهابی عن الإرهاب، والثانی: کیف یمکن مساعدته للتحول إلى شخص طبیعی؟
للاجابة عن هذین التساؤلین حشد علماء النفس المزید من البیانات الواقعیة بشأن العوامل التی دفعت بعض الاشخاص إلى الإنخراط فی الإرهاب، معربین فی الوقت نفسه عن إعتقادهم بأن تحدید ذلک لیس مهمة یسیرة. ویرجع ذلک لسبب محدد، یتمثل فی عدم إمکانیة قبول الإرهابیین التطوع لإجراء أبحاث بشأنهم، کما أن دراسة أنشطتهم عن بُعد قد تؤدی إلى استنتاجات خاطئة.
ونظرًا لهذه التعقیدات، إتسم علم نفس الإرهاب بالطابع النظری وبتأثره بالآراء، أکثر منه علم موثوق، بحسب اعتراف الباحثین. إلاّ أن عددًا من علماء النفس یعتبرون إنه من المُفید أن نتعامل مع الإرهاب وفقًا للآلیات والمناهج السیاسیة والجماعیة، بدلًا من الآلیات الفردیة، والتی یمکن أن تساعدنا فی تفسیر بعض جوانب الأعمال الإرهابیة والسعی الحثیث لمنع الإرهاب.
و تقترح النتائج التی توصل إلیها علماء النفس أن تهدئة مخاوف الناس، و الترکیز على الملامح الإنسانیة المُشترکة، أو توضیح الفارق بین الحلم الذی یسعى الإرهابی إلى تحقیقه، و بین حقیقة تورطه فی الإرهاب، ربّما تمنع إرهابیًّا من تبنی العنف و التطرف. و حاول هؤلاء الباحثون إستکشاف مدى فاعلیة المبادرات التی تحدث فی عدد من البلدان ووجدوا أنها تشترک فی العناصر التالیة: 1– العنصر الفکری: وذلک من خلال قیام علماء الدین بالتحاور مع المعتقلین حول تعالیم الدین الصحیحة بشأن العنف. 2– العنصر العاطفی: أی من خلال السعی لإفراغ غضب وإحتقان المُعتقلین وإحباطهم عن طریق إظهار إهتمام حقیقی بهم وبأسرهم. 3– العنصر الإجتماعی: أی التعامل مع حقیقة أن المُعتقلین قد یعودون إلى مجتمعات تعید تأجیج معتقداتهم المتطرفة.
فی الحقیقة لم تعُد فکرة إبعاد الإرهابیین عن ممارسة العنف، باستخدام الحوار السلمی حلمًا بعید المنال، بل أصبحت هدفًا لعدد متزاید من برامج إجتثاث التطرف حول العالم، بحسب قول عالم النفس "آری کروجلانسکی".
وبشأن تفسیر الظاهرة الراهنة، الخاصة بمغادرة شباب من جنسیات أوروبیة بلدانهم و الإنضمام إلى تنظیم "داعش" الإرهابی، وجد علماء النفس أن هؤلاء تتملکهم رغبة فی المغامرة، و لدیهم إحساس بالحاجة للإنتماء إلى شیء مختلف، له خصوصیته غیر المألوفة، و یعطی حیاتهم طابعًا جدیدًا. کما إن بعضهم یبحث عن الخلاص من نمط حیاة وصل بهم إلى حافة الملل و تم شحنهم عبر الإنترنت، خصوصًا شبکات التواصل الإجتماعی فی زمن العولمة و زمن القریة العالمیة؛ و بالتالی أصبح هؤلاء ضحیّة للفکر الداعشی الذی یصطاد فرائسه من شتى البقاع.
موقع الوقت | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,581 |
||