بین هرطقة الأمس وتکفیر الیوم مقارنة بین الهیئات الشرعیة و محاکم التفتیش الاوروبیة. | ||
بین هرطقة الأمس وتکفیر الیوم مقارنة بین الهیئات الشرعیة و محاکم التفتیش الاوروبیة. کیف سبقت اوروبا داعش بالتکفیر؟؟ کتب علی صریح مخلوف مقولة ان التاریخ یعید نفسه لم تأت عن عبث، فکم من حوادث تاریخیة کررت نفسها فی أوقات وأمکنة مختلفة من العالم، مؤامرة هنا وثورة هناک اغتیال هنا وتصفیة هناک، اضطهاد باسم الدین سواء کان کنیسةً او مسجداً، تهدید للأقلیات ولکل مختلف حتى ولو کان على أساس سیاسی. فی موضوعنا هذا سیتم تسلیط الضوء على محاکم التفتیش الأوروبیة التی سادت فی العصور الوسطى وعن ممارساتها التی لم توفر حجراً أو بشراً لتبریر غایاتها وکل ذلک باسم الرب! وعودة التاریخ لتکرار نفسه لکن هذه المرة باسم المسجد لا الکنیسة، ولم نجد إسقاطاً لتلک المحاکم التفتیشیة یکون مناسباً بقدر ما تُسمى بالهیئات الشرعیة التی باتت تُقام فور وصول من یُسمون بالجهادیین إلى أی أرض قتال او "جهاد" کما یسمونها. فی القرن الثالث عشر المیلادی شکل البابا انیوسینس الثالث محاکم التفتیش لاعتقال الزنادقة الذین یتظاهرون بالتدین والتحقیق معهم " الصحیح: للتنکیل بالمسلمین والیهود بمنتهى الوحشیة" ومن هنا کانت جمیع جرائم المرابین الملحدین وعملائهم الإسبان تُلحق بالأقلیات أو الطوائف الأخرى "کالیهود" ولما جاء حکم تورکومادا وجدت محاکم التفتیش أن خلایا المرتدین والمخربین تنتشر انتشاراً واسعاً فی البلاد عندئذ حذت إسبانیا حذو غیرها من الدول الأوروبیة وطردت البعض من اراضیها . و مع اجتیاح ریاح السموم المسماة بریاح "الربیع" العربی للمنطقة ، وتمدد الإرهاب الناتج عن تسرب الفکر ( الوهابی ـ السلفی )التکفیری بدأت تنتشر فی کل منطقة تتواجد بها حرکات التطرف ( کداعش والنصرة والجبهة الإسلامیة وجیش الإسلام وحتى میلیشیا الحر) محاکم سُمیت بـ ( الهیئات الشرعیة أو المحاکم الشرعیة) بطبیعة الحال هذه الهیئات تستند إلى العقیدة الوهابیة وفتاوى أساطین هذا المذهب، کثر هم من رووا فظائعها لا سیما تلک المتعلقة بالمنتمین لطوائف أخرى بحیث یُنظر إلیهم على أنهم ( مخلوقات درجة عاشرة) لها حلان إما ان تدخل الإسلام من البوابة الوهابیة أو أن یکون الذبح مصیرها. فی مناطق أخرى روى ناجون أن المسلحین لا سیما ( الأفغان واللیبیین) کانوا یقومون بذبح السوری لمجرد معرفة أنهم منتمی لطائفة أخرى مع العلم بأنها إسلامیة! وفی بدایة الأحداث وحتى الآن انتشرت الکثیر من الفیدیوهات على شبکة الانترنت تبین أسالیب الذبح والتقطیع أو الرمی من على اسطح الأبنیة، او سحل المواطنین ثم التمثیل بجثثهم بعد قتلههم.
بین هرطقة الأمس وتکفیر الیوم فیما یخص کلمة هرطقة التهمة التی قامت من أجلها محاکم التفتیش الأوروبیة فإنها تعنی البدع وقد شاعت منذ زمن قدیم ، کالحرکة الغنوصیة التی رأت بأن المادة شر لذلک یستحیل على یسوع أن یتجسد بجسد على سبیل المثال وفق معتقدهم وهکذا، هرطقات أخرى کما یسمونها کالخلط مابین الفلسفة الیونانیة والفکر المسیحی کانت بحد ذاتها تهمة توجب التعذیب قبل القتل من أجل تطهیر الشخص المتهم. بالمجمل فی ذلک الوقت فقد نُهی عن إعمال الفکر أو البحث عن الحقیقة وکان الجدل وکثرة السؤال یودی بصاحبه إلى المحکمة التی ستحکم بتعذیبه ثم قتله. فی أوائل القرن الثالث عشر أی فی العصور الوسطى أُنشأت محاکم التفتیش بقرار من البابا جرینوار التاسع وذلک عام 1233، وکان هدفها محاربة الهرطقة فی کل أنحاء العالم المسیحی. والمقصود بالهرطقة هنا أی انحراف ولو بسیط، عن العقائد المسیحیة الرسمیة، وقد کلف بها رجال الدین فی مختلف المحافظات والأمصار. فکل واحد منهم کان مسؤولاً عن ملاحقة المشبوهین فی ابرشیته. وکان الناس تساق سوقًا إلى محکمة التفتیش عن طریق الشبهة فقط، أو عن طریق وشایة أحد الجیران!وکانوا یعرضون المشبوه به للاستجواب حتى یعترف بذنبه، فإذا لم یعترف انتقلوا إلى مرحلة أعلى فهددوه بالتعذیب. وعندئذ کان الکثیرون ینهارون ویعترفون بذنوبهم ویطلبون التوبة. وأحیانًا کانت تعطى لهم ویبرأون. ولکن إذا شّکوا بأن توبتهم لیست صادقة عرضوهم للتعذیب الجسدی حتى ینهاروا کلیًا. واذا أصرّ المذنب على أفکاره ورفض التراجع عنها فإنهم یشعلون الخشب والنار ویرمونه فی المحرقة. وقد قتل خلق کثیر بهذه الطریقة التی أصبحت علامة على العصور الوسطى ویقال أن عدد الضحایا الذین ماتوا بهذه الطریقة یتجاوز عشرات الألوف. أما فیما یخص الهیئات الشرعیة التی باتت تقیمها الجماعات المسلحة على مختلف مسمیاتها فی المناطق التی تدخلها وتسیطر علیها فإن لها حکایة مشابهة بمحاکم التفتیش تلک، ففی عدرا العمالیة ووفقاً لشهادات ناجین منها کما فی غیرها من المناطق مثل دوما والجزیرة السوریة أن تلک الهیئات کانت تبدأ أولاً بهؤلاء المتهمین بموالاتهم للدولة السوریة أو بانتمائهم لطوائف أخرى، کثیرون قضوا بسبب هاتین التهمتین وأکثر طرق التصفیة کانت ذبحاً یسبقها طقوس فی الإهانة والتعذیب، وفی أحسن الحالات یؤخذ المواطن المتهم بعقیدته السیاسیة أو الدینیة لیتم تعذیبه نفسیاً بإیهامه أن کل یوم سیکون موعد تصفیته، وحتى یأتی هذا الیوم یُجبر على أخذ دروس دینیة ( قرآن ، حدیث ، تفسیر، سیرة) وبالإکراه من قبل معلمین جزء کبیر منهم أغراب ولا یتقنون اللغة العربیة فضلاً عن جهلهم بالعلوم الشرعیة. وکما کانت محاکم التفتیش تلجأ إلى التحقیق والتعذیب المریع ثم القتل، اتخذت الهیئات الشرعیة ذات الأسلوب من سوق المواطنین فی المناطق التی تحتلها إلى منازل یتم الاستیلاء علیها ثم تُحول إلى مقرات لهیئات شرعیة یتم فیها التحقیق، وطبعاً المواطن الذی یُساق لتلک الأماکن إن کان مؤیداً أو منتمیاً لطائفة أخرى سیلاقی تعذیباً وقتلاً ثم تمثیلاً. قتل الکهنة بالامس والمشایخ الیوم من أشهر الذین ماتوا بطرق شنیعة تتبعها محاکم التفتیش لا سیما حرقاً هو المصلح التشیکی جان هوس وکان راهبًا مشهورًا بإخلاصه وتقواه واستقامته، کما کان یحتل أرفع المناصب الأکادیمیة بصفته عمیدًا لجامعة براغ فی بدایة القرن الخامس عشر. ولکنهم اتهموه بأنه کان یدّعی أن الکنیسة خرجت عن مبادئ الدین وأنه ادعى أن بعض القساوسة والمطارنة انحرفوا عن واجبهم الحقیقی واهتمامهم بمصالحهم الشخصیة واستغلالهم المادی للناس البسطاء. وقد التف حوله ناس کثیرون أحسّوا بصدقه وإخلاصه. وعندئذ قامت الکنیسة الکاثولیکیة بتکفیره بتهمة الزندقة، وعلى الرغم من أنهم أعطوه الأمان بعد أن إستدعوه للمحاکمة الاّ أنهم غدروا به فاعتقلوه وألقوه طعمة للنیران فی نفس الیوم، أی بتاریخ 6 یولیو من عام 1415.ومن أهم الذین مثلوا أمام محاکم التفتیش الفیلسوف الإیطالی جیوردانو برینو والعالم الشهیر جالیلیو. قتل الراهب التشیکی المصلح جان هوس بطریقة وحشیة، یذکرنا بحوادث قتل الشیوخ والعلماء المتنورین الذین حاربوا الفتنة فی سوریة، کالشیخ الشهید إمام مسجد أنس بن مالک فی دمشق الشیخ (محمد أحمد عوف صادق) الذی اغتیل فی 15 شباط العام 2012، وإمام جامع آمنة بنت وهب فی حلب (عبد اللطیف الشامی) الذی خطف وهو یؤم المصلین فی صلاة التراویح، وأعدم فی 25 تموز 2013، ومدیر أوقاف الرقة الشیخ عبدالله صالح الذی اغتیل فی 30 کانون الأول 2013، وإمام جامع المحمدی فی المزة بدمشق الشیخ عدنان صعب، والشیخ احمد قزموز فی حلب، وغیرهم کثر، و إمام جامع الحسن فی حی الشیخ مقصود بحلب الشیخ حسن سیف الدین، الذی اعدم ومثل بجثته وجز عنقه وعُلق رأسه على مئذنة جامع الحسن الذی کان خطیبه. فی القرن السادس عشر أُنشئ مکتب خاص فی الفاتیکان لتحریم الکتب الضارة والهدف منه منع الرعیة المؤمنة من قراءة تلک الکتب الفلسفیة والعلمیة التی تعمل العقل وتکون فیها حجج تجعل الإنسان یسأل أکثر ویبحث أکثر ( على من یرید التأکد فقط أن یبحث عن الموضوع على شبکة الانترنت لیجد کماً هائلاً من المعلومات التی تحکی عن اناس حُرقوا وقُتلوا لمجرد تالیفهم کتب وترویجها)أما فیما یخص الهئیات الشرعیة الوهابیة، فلا بد أولاً من الرجوع إلى البیئة الأساسیة التی ابتدعتها ألا وهی الوهابیة، التی لم تترک أحداً ولم تکفره من أهل القبلتین، حیث کفر محمد بن عبد الوهاب کلاً من أهل الحجاز ونجد والدرعیة والعیینة وبلاد الشام، فضلاً عن تکفیره لعلماء اهل السنة ومنهم الشیخ الفیلسوف محی الدین ابن عربی، هذا الفکر یمنع البحث والجدل والمناقشة وفی السعودیة من السهل ان تدخل أطناناً من المخدرات أو الخمور على أن تدخل کتیباً صغیراً قد ینسف عقائد ابن عبد الوهاب، أو یحرض عقل المواطن هناک على النقاش والبحث عن الحقیقة، وکثیرة هی الشهادات التی وصلتنا من أن جماعات مسلحة متطرفة فی مناطق کانت تدخلها کانت اولاً تبحث عن کتیب دینیة عقائدیة فی منازل المواطنین لا سیما هؤلاء المنتمین لطوائف اخرى فتحرقها. خلاصة: - أن کلاً من محاکم التفتیش والهیئات الشرعیة تعملان بالدیکتاتوریة الدینیة فلا تسمحان بالرأی الآخر، هناک هرطقة وهنا تکفیر. - کلاً من المحاکم والهیئات تعملان القتل والتعذیب والخطف والاعتقال والتمثیل والسحل بالناس. - کلاً من المحاکم والهیئات عملت أولاً على التخلص من الرهبان والشیوخ المتنورین الصادقین الذین لعبوا دوراً هاماً فی توعیة الناس، فکان مصیر هؤلاء المصلحین من رجال الدین المسیحی والإسلامی الخطف ثم التعذیب والقتل على ید تلک المحاکم والهیئات. المصدر : اسلام تایمز | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,769 |
||