تدخلات واشنطن فی شؤون الدول خلّفت تنظیمات إرهابیة وآثاراً دامیة
راشیل الذیب
لاشک فی أن السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة فی القرن الحادی والعشرین لا تصدر إلا قوة عسکریة جسیمة، وفی الواقع ولت الأیام التی تُستخدم فیها القوة العسکریة من أجل «إعادة تشکیل العالم» حسب الصورة الأمریکیة وهو المسوغ شبه الدائم لحروب الولایات المتحدة، حیث جرت التدخلات العسکریة الأمریکیة فی مرحلة ما بعد الحرب الباردة فی ظل غیاب الرؤیة الاستراتیجیة الشاملة فضلاً عن افتقار الحجج والتبریرات إلى الإقناع والقوة والمنطق حتى بین حلفاء الولایات المتحدة التقلیدیین.
لا عجب إذاً فی أن التدخلات العسکریة الأمریکیة کانت دائماً وأبداً غیر قانونیة وغیر مبررة ولا تخلف فی نهایة المطاف إلا آثاراً دامیة وثقوباً سوداء، ما أدى بدوره إلى ظهور تنظیمات إرهابیة جدیدة ومتنامیة عازمة على نشر «رؤیتها» الخاصة عن النظام الاجتماعی والسیاسی عن طریق الإرهاب والقتل والتهجیر والتدمیر وغیرها من المخلفات السامة.
فی مقابلة حصریة مع مؤسسة «تروث آوت» الإخباریة الأمریکیة یسلّط الکاتب والمفکر الأمریکی نعوم تشومسکی الضوء على دینامیات السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة فی القرن الحادی والعشرین والآثار المترتبة على سیاسة تعصف بالنظام العالمی، کما یتحدث عن الدور الروسی فی سوریة وأهمیته فی مکافحة الإرهاب، إضافة إلى صعود التنظیمات الإرهابیة المختلفة وعلى رأسها تنظیم «داعش» والاستقطاب الواضح الذی یحمله لکثیر من الشباب الأوروبی، ویبدی تشومسکی خلال المقابلة وجهه نظر قاتمة عن مستقبل السیاسة الخارجیة الأمریکیة.
عن حروب الرئیس الأمریکی باراک أوباما المختلفة من حیث الجوهر والنمط عن حروب سلفه جورج دبلیو بوش یقول تشومسکی: اعتمد بوش على العنف العسکری المفاجئ والمرعب الذی أثبت فشلاً ذریعاً نسبة لعدد الضحایا الذی خلفه وراءه، ناهیک عن أنه أدى إلى هزائم جسیمة على الصعید الأمریکی، فی حین یعتمد أوباما على تکتیکات مختلفة وعلى رأسها حملة الاغتیالات العالمیة التی تنفذها طائرات من دون طیار والتی تسجل أرقاماً قیاسیة جدیدة على مستوى الإرهاب الدولی، إلى جانب العملیات التی تقوم بها القوات الأمریکیة الخاصة المنتشرة فی جزء کبیر من العالم، حیث تنتشر قوات النخبة الأمریکیة فی 147 دولة فی عام 2015 محطمة الرقم القیاسی بذلک، حسبما أفاد مؤخراً نیک تورس، وهو باحث أمریکی رائد فی هذا المجال.
ما لا شک فیه أن الفوضى وزعزعة الاستقرار فی منطقة الشرق الأوسط جاءا نتیجة ضرب الولایات المتحدة أنظمة دول المنطقة کما الحال فی العراق ولیبیا وأفغانستان وأماکن أخرى، حیث تکمن إحدى النتائج المترتبة على الغزو الأمریکی للعراق فی التحریض على النزاعات والصراعات الطائفیة والعرقیة والمذهبیة التی من شأنها أن تدمّر العراق وتمزّق المنطقة إلى أشلاء، کما خلف التدخل الأمریکی والأوروبی فی لیبیا فی عام 2011 کارثة امتدت إلى ما هو أبعد من ذلک نتیجة تدفق الأسلحة وتحفیز الجرائم «الجهادیة».
وفیما یخص الحملة العسکریة الجویة التی بدأتها روسیا ضد الإرهاب فی سوریة منذ نهایة شهر أیلول المنصرم أکد تشومسکی أن استراتیجیة روسیا قائمة فی المقام الأول على محاربة التنظیمات الإرهابیة المختلفة التی تدعمها قوى الشر بما فی ذلک ترکیا وقطر والسعودیة والولایات المتحدة، مشیراً إلى مقال نشرته صحیفة «واشنطن بوست» الأمریکیة مؤخراً بشأن تزوید وکالة الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة «سی آی إیه» تلک التنظیمات بالأسلحة المتطورة بما فی ذلک الصواریخ المضادة للدبابات من طراز (تاو) التی کانت عاملاً رئیسیاً فی دفع روسیا إلى المشارکة فی محاربة الإرهاب المتفشی فی سوریة بالتعاون والتنسیق مع الحکومة السوریة، وقوضت هذه المشارکة أهداف الولایات المتحدة المتمثلة فی «إسقاط» الدولة السوریة، وشکلت تهدیداً حقیقیاً لمخططات واشنطن.
ولفت تشومسکی إلى مقابلة أجریت مؤخراً مع محلل شؤون الشرق الأوسط البارز غراهام فولر تحت عنوان «ضابط أمریکی سابق فی وکالة الاستخبارات المرکزیة یؤکد دور سیاسات الولایات المتحدة فی إنشاء داعش الإرهابی» حیث یؤکد أن واشنطن واحدة من صانعی ومبتکری هذا التنظیم الإرهابی الرئیسیین مشیراً إلى أن الولایات المتحدة ربما لم تعتزم إنشاءه على أبعد تقدیر، لکن تدخلاتها المدمرة فی منطقة الشرق الوسط وحربها على العراق کانا من الأسباب الرئیسة التی ساهمت فی ولادة «داعش»، حیث جاءت نقطة الانطلاق الأولى لهذا التنظیم نتیجة طبیعیة مباشرة للغزو الأمریکی للعراق الذی تم فی عام 2003 ما یؤکد أن الولایات المتحدة کانت عاملاً رئیساً فی نشوء هذا المسخ.
المصدر: Truthout