الغرب یتجرع الکأس الإرهابی الذی سقاه لسوریة على مدى سنوات
راشیل الذیب
أعلن تنظیم «داعش» الإرهابی خلال الأیام القلیلة الماضیة مسؤولیته عن التفجیرین الانتحاریین فی الضاحیة الجنوبیة فی بیروت، إضافة إلى ست هجمات متزامنة وقعت فی ستة أماکن متفرقة فی العاصمة الفرنسیة باریس،
ویعدّ هذان العملان من أکبر الهجمات الإرهابیة التی ینفذها التنظیم خارج معاقله فی العراق وسوریة التی أودت بحیاة 200 شخص على الأقل وجرح مئات آخرین، وتعکس هذه الهجمات أمراً واحداً فقط هو أنه تم تنشیط خلایا التنظیم النائمة وذلک وفقاً لما أکدته الکاتبة الیساندریا ماسی فی مقال نشره موقع «انترناشیونال بزنیس تایمز» الأمریکی.
تقول الکاتبة: منذ أن أعلن «داعش» إقامة ما یسمى «دولة الخلافة» فی 2014 ، حذّر التنظیم من مهاجمة أعدائه خارج سوریة والعراق باستخدام خلایا نائمة تابعة له، وحتى الآن لم یکن التنظیم قادراً على شنّ مثل تلک الهجمات التی توعد بها ، إنما کان یلجأ إلى مؤیدیه فی الخارج لتنفیذ عملیاته هناک، ویفتح التحول الجدید فی الاستراتیجیة جبهة عالمیة جدیدة فی المعرکة ضد هذا التنظیم الإرهابی.
ونقلت الکاتبة عن المحلل فی معهد «دراسات الحرب فی واشنطن» هارلین جامبیر قوله: إن هذا التغییر یدل على أن «داعش» یتجه الآن لتنفیذ هجمات إرهابیة تخریبیة على نطاق أوسع بکثیر مما کان علیه فی السابق، وستکون لهذا التحول الجدید آثار استراتیجیة، إذ یعدّ النهج الأخطر الذی یمکن أن یتخذه التنظیم والأکثر تخریباً للعالم.
ونظراً لدقة تنفیذ الهجمات واتساع نطاقها، اُعتُقِد أن تنظیم «القاعدة» الإرهابی یقف وراءها، ولاسیما أنه أعلن مسؤولیته عن الهجوم الإرهابی الذی استهدف صحیفة «شارلی إیبدو» الفرنسیة الساخرة فی کانون الثانی من العام الجاری، حیث ترکز «القاعدة» وبشکل رئیس على مهاجمة الغرب فی حین أن الأولویة الرئیسة لـ«داعش» الإرهابی تتمثل فی توسیع الأراضی التی یسیطر علیها.
ولکن، وحصیلة للجهود التی تبذلها روسیا بالتعاون مع الحکومة السوریة فی محاربة الإرهاب، فإن «داعش» یفقد سیطرته على مساحات واسعة من الأراضی التی استولى علیها فی العراق وسوریة، ویحاول الآن التغلب على خصمه «القاعدة» فی تنفیذ هجمات بالغة الخطورة، حسب جامبیر.
ولا یعّد هذا مؤشراً على ازدیاد قوة «داعش» إنما یدل على أنه أصبح «أکثر فعالیة» فی استخدام الموارد المتاحة لدیه حیث تعدّ هجمات باریس مؤشراً على ابتعاد «داعش» عن دعوته السابقة إلى شنّ هجمات منفردة، إذ یعمل الآن تحت توجیه من «قیادته» الإرهابیة التی تم تناقلها عبر شبکات الإرهاب الخارجیة.
وأشارت الکاتبة إلى أن «داعش» عمل سنوات على إنشاء شبکة واسعة من الخلایا الإرهابیة النائمة التی تنتشر حول العالم، ویتم تدریب أعضائها بشکل عام على إطاعة أوامر متزعمیهم، وتتکون هذه الخلایا النائمة من المؤیدین المحلیین و«المقاتلین» الذین تدربوا على أیدی «داعش» وعادوا إلى أوطانهم، إضافة إلى الإرهابیین الأجانب الذین یتم إرسالهم من أجل التخطیط والمساعدة فی تنفیذ الهجمات.
کما أشارت الکاتبة إلى أن لفرنسا على نحو خاص تاریخاً طویلاً مع الشبکات الإرهابیة المرتبطة بتنظیم «القاعدة» الإرهابی، ولکن لدیها أیضاً أعداد هائلة ممن غادروها للانضمام إلى صفوف تنظیم «داعش» الإرهابی، فقد توجه نحو 1000 فرنسی للقتال ضد سوریة والعراق وأکثر من نصفهم کانوا غیر معروفین لدى أجهزة الاستخبارات الفرنسیة وفقاً لتقریر نشرته مؤسسة «جیمس تاون» للأبحاث والتحلیل.
ویرتبط العدید من هؤلاء الإرهابیین بشبکات إرهابیة داخل فرنسا، والبعض منهم عاد إلى وطنه للمساعدة فی تنفیذ هجمات على الأراضی الفرنسیة بمجرد تلقی أوامر بشن عملیات إرهابیة.
وکثّف «داعش» خلال الأشهر القلیلة الماضیة من وجوده خارج العراق وسوریة ما یشیر إلى بدایة حملة من الهجمات الخارجیة المتطورة، حیث شکّل التنظیم فی شهر کانون الثانی الماضی ما یسمى کتیبة «أنور العولقی» لاستهداف الدول الغربیة وتتکون الکتیبة من الإرهابیین الذین یتحدثون اللغة الانکلیزیة فقط ممن یرید «داعش» استخدامهم لتخطیط وتنفیذ هجمات إرهابیة فی دول الغرب وذلک بعد إنهاء تدریبهم وإرسالهم إلى بلادهم.
وشهد لبنان فی الآونة الأخیرة تدفقاً لإرهابیی «داعش»، وقد ألقى الجیش اللبنانی القبض على رجل له علاقات مع خلیة تابعة للتنظیم فی شمال لبنان، کما اعتقل الأمن العام اللبنانی قبل التفجیرات الدامیة التی وقعت فی الضاحیة الجنوبیة اثنین من عناصر خلیة إرهابیة تابعة لـ«داعش» کانت تخطط للقیام بعملیات تفجیر وإعداد عبوات ناسفة لاستهداف مراکز وآلیات وعناصر الجیش اللبنانی والقوى الأمنیة.
إن حجم الدمار الذی أسفرت عنه هجمات الضاحیة الجنوبیة وباریس کان هائلاً جداً ویقول خبراء: إنها شکلت نقطة بدایة لفتح جبهة جدیدة من الحرب على «داعش»، فأعطت الإشارة للبدء بحرب کونیة على هذا التنظیم الإرهابی الذی صُنع وکُوِّن فی أجهزة المخابرات الغربیة وها قد استیقظ الغرب أخیراً فشرب من الکأس التی سقاها للشعب السوری طوال خمس سنوات من العملیات الإرهابیة التی استهدفت کل شیء.
تشرین