الصین و التحالف الروسی لمکافحة الارهاب
د. دیاری صالح مجید
على الرغم من عدم وجود تاکیدات رسمیة بعد ؛ فأن هنالک اشارات مهمة تدلل على ان الصین – القوة الاخرى المؤثرة فی واقع العلاقات الدولیة فی طریقها الى الانضمام لروسیا فی ملف مواجهة الارهاب فی منطقة الشرق الاوسط ؛ وذلک بعد ان کانت تقف على الحیاد تماما من ما یسمى بالحملة الامریکیة على داعش . حیث قال المتحدث باسم الخارجیة الصینیة قبل فترة قصیرة من الزمن ” إن الصین مستعدة للمشارکة فی ای جهد دولی لمکافحة الارهاب ؛ فهی تقف بالضد من هذه الظاهرة بکل اشکالها ومستعدة لاجل ذلک إن تبذل الجهود المناسبة لمحاربة قوى التطرف . وهو موقفنا الذی بقی ثابتا بلا تغییر ” . فی حین ذکر المبعوث الصینی للشرق الاوسط ” إن الارهابیین فی العراق و سوریا نجحوا فی التأسیس لقاعدة استقطبت الإرهابیین من الدول الاسلامیة ؛ اوربا ؛ امریکا ؛ وایضا الصین . لقد عانینا من الارهاب لفترة غیر قلیلة ؛ لذا فان تسویة الصراعات فی العراق و سوریا سوف تسهم فی تحقیق الفائدة للصین و لکل العالم ” .
یدعم هذه الفرضیة توجه اخر عماده رقعة الشطرنج العالمیة التی تجری علیها تفاعلات الجیوبولتیک الواسعة الامتداد و التاثیر . فقد اکدت الصین مؤخرا بان الاستفزازت الامریکیة لمصالحها و نفوذها فی بحر الصین الجنوبی باتت امرا غیر مقبولا و لا یمکن السکوت عنه . لذا فان مکافحة الارهاب و سحب البساط من تحت اقدام الدور الامریکی فی الشرق الاوسط بمعاونة روسیا وبقیة الحلفاء یمکن إن یشکل المحور الجغرافی للتحول التاریخی القادم للرد على الهیمنة الامریکیة التی تبحث عن زعامة مطلقة للنظام الدولی . لیکون الدور الصینی فی سوریا ردا متوقعا ازاء ما یجری فی بحر الصین الجنوبی من توترات مع واشنطن و حلفائها هناک . وهو ما یمکن له أن یفسر الرسائل القویة التی وجهها وزیر الدفاع الامریکی مؤخرا لکل من الصین و روسیا ؛ حیث حذر بشدة من الدور الصینی فی جنوب شرق اسیا و لمح الى خطورة فکرة التعاون بین موسکو و بکین فی الشرق الاوسط .
فی هذا الصدد تشیر بعض المصادر الى ان احد المسؤولین الروس ( ایغور موروزوف ) المسؤول فی لجنة الشؤون الخارجیة ؛ قد قال بان بکین قد اتخذت القرار بالمساهمة فی الحرب على داعش ؛ ولاجل ذلک ارسلت سفنها الحربیة الى المیناء السوری . من المعلوم الان بان الصین قد انضمت للعملیة العسکریة التی نقوم بها فی سوریا .
تحول استراتیجی من شانه ان یغیر قواعد اللعبة فی المنطقة ؛ کما من شانه ان یقود الى تبدل مهم فی موازین القوى من منظور تفاعلات نموذج الجیوبولتیک الذی تحدث عنه البریطانی ماکندر . لذا لن تتمکن واشنطن فی الفترة القادمة من الزمن من ان تمارس طریقتها المزدوجة المعاییر فی التعاطی مع الشؤون الداخلیة الخاصة بدول هذا الاقلیم . وهو ما یعنی بالضرورة ان التحالف الذی تقوده بالتعاون مع ترکیا و دول الخلیج سوف یکون امام خیارین اما الرضوخ لفکرة التراجع عن المشاریع المضرة و العنیفة التی انتجت داعش بحجة مواجهة الخطر الایرانی ؛ او الاستمرار فی تحدی القوى المضادة بالطریقة التی ستفضی الى مزید من الصراع الذی ستنتقل أصداءه هذه المرة لتمس بشکل مباشر النطاقات الحرجة فی الدول الصدیقة لواشنطن والمجاورة لجغرافیا الفوضى المنتشرة فی سوریا و العراق .
لقد حاولت روسیا جهد امکانها تحیید اثر الملفات الخلافیة الاخرى التی یمکن ان تعرقل مسعى تشکیل تحالفها الجدید؛ کما هو الحال مثلا مع موضوع مستقبل الحکومة السوریة و ما یسمى بالمعارضة المعتدلة ؛ کما حاولت تحیید الموقف من موضوع الفصائل المسلحة التی تقاتل بالضد من داعش فی العراق و سوریا بما فیها الفصائل الکردیة . هذه الخطوة کان یراد منها تعریة مواقف القوى التی انخرطت فی التحالف الامریکی لمحاربة الارهاب . حیث کان لهذه الاطراف مخططات على الارض تسعى من خلالها الى تصفیة الحسابات عبر هذه الحملة التی بدا فیها الارهاب مطمئنا و مسترخیا فی ممارسة دوره الذی بات اکثر تعزیزا و استقرارا فی ظل حملة اقرب الى الدعایة الاعلامیة منها الى الواقعیة العسکریة . على الاقل بعد مضی اشهر من بدء تشکیل التحالف الامریکی لمکافحة الارهاب ؛ لا زال تنظیم داعش یمارس هیمنته ولم یسجل له تراجع کبیر فی المساحة التی هیمن علیها طوال الفترة الماضیة
.
کذلک نجحت روسیا فی العمل على امرین متوازیین فشل فیهما التحالف الامریکی . الاول هو الدعوة الى الشرعیة الدولیة التی بدونها لا یمکن الرکون الى فکرة تشکیل هذا النوع من التحالفات ؛ وهو ما یتصادم تماما و الدور الامریکی فی هذا المسار . و الثانی هو العمل على التاکید بان المشارکة العسکریة لهذا التحالف الجدید ستکون مشارکة استخباریة مصحوبة بعملیات جویة لمساندة القوى الرسمیة التابعة للدول التی تحولت ارضها الى مسرح مواجهة مع الارهاب . مصدر مهم لتطمین مخاوف الدول هذه من ان الحلف الروسی لن یکون بالنتیجة بوابة لاحتلال بدیل عن داعش . فی حین تصر الادارة الأمریکیة فی تحالفها الاخر على ان تمارس الدور الاوسع فی هذه العملیات و تحدد فی ضوئها من الذی یقاتل الى جانبها ومن لا یحق له ان یساهم فی ذلک . وهو ما ادى الى زیادة شکوک الدول المعنیة بطبیعة النوایا الکامنة وراء تشکیل التحالف الذی تقوده واشنطن منفردة بمعزل عن الدور الروسی
.
انضمام الصین الى التحالف الذی دعت الیه موسکو سیعنی الکثیر فی الادراک الجیوبولتیکی . فالصین واحدة من الدول التی حذر رواد الجیوبولتیک الاوائل فی المنظومة الغربیة من بزوغها قوة منافسة لسطوة الدور الذی تمارسه القوة البحریة – الولایات المتحدة الامریکیة . وهو ما حصل فعلیا فی النطاق الجغرافی المهم لتصادم المصالح بین بکین و واشنطن فی المحیط الهادیء . هناک واشنطن باتت فی وضع حرج حیث بدات قوتها بالتآکل فی اکثر من مساحة . حلفائها فی جنوب شرق اسیا لم یعودوا قادرین على مواجهة التنین الصینی الذی بات الیوم اکثر نضجا واستعدادا لممارسة دور القوة العظمى . الامر الذی یعنی بان بروز الصین المفاجأ لواشنطن فی شؤون مکافحة الارهاب بهذا الاندفاع ؛ ان الاخیرة لم تعد تکتفی بالبحث عن مجال حیوی خالص لها فی نطاقها الجغرافی ؛ بل باتت بالتعاون مع الروس تسعى الى المشارکة فی کسر الاسس الجیوبولتیکیة لمبدأ کارتر فی منطقة الشرق الاوسط .
فی هذا الصدد هنالک تاکیدات بان احدى البوارج العسکریة الصینیة قد رست بالقرب من میناء طرطوس السوری ؛ واشیر الى إن هذه الخطوة قد جاءت مبنیة على فکرة الوضع الاستراتیجی الحالی الذی یحیط بسوریا ؛ مضیفا بذلک بعدا جدیدا لدور موسکو و طهران فی مواجهة داعش . هنالک اخبار اخرى تتحدث عن موضوع ارسال خبراء عسکریین و ایضا امکانیة ارسال 1000 مقاتل الى القاعدة البحریة السوریة . اضافة الى الالتحاق بالمرکز الاستخباری الذی اعلن عنه فی بغداد برعایة روسیة – ایرانیة – سوریة لتبادل المعلومات حول حرکة الارهابیین و نشاطاتهم .
یمکن للمرء إن یُذکر بالدور الامریکی فی العراق بعد 2003 و کیف إن العلاقات السابقة بین العراق و الصین کانت من بین الاسباب التی اسهمت فی التعجیل باتخاذ القرار الامریکی بضرورة احتلال هذا البلد ؛ خاصة بعد إن تم التوقیع مع الجانب الصینی على الاستثمار فی واحد من اهم الحقول النفطیة فی البصرة . الیوم تخشى الصین من إن تکون داعش مجرد اداة مضافة لتنفیذ اوامر المصالح و الشرکات النفطیة الدولیة فی الهیمنة على مزید من النطاقات النفطیة المهمة فی العراق و سوریا بالطریقة التی تقود مجددا الى استبعادها عن المشارکة فی الصناعة النفطیة هناک . عندما ناخذ الامکانات النفطیة للصین بنظر الاعتبار مع ما یصاحبها من عجز مهم فی توفیر الاحتیاجات المستقبلیة لها ؛ نجد بان المخاوف من حرمانها من نفط العراق و سوریا سیزید فی حال تحقیقه من انکشافها النفطی و الاقتصادی لصالح منافسها الاخر – الولایات المتحدة الأمریکیة . لذا فان الاندفاع الصینی المصاحب للروس لم یکن لینطلق فی مثل هذه الحالة فقط من موضوع محاربة الارهاب لخشیتها من تمدده او عودة عناصره لتعمل فی الداخل الصینی فی واحد من اقالیمها الاستراتیجة ذی الاغلبیة المسلمة . بل کان للنفط نصیب مهم فی هذا التوجه الذی بات مؤثرا فی رسم ملامح الجیوبولتیک للفترة القادمة من الزمن .
قوى التحالف الروسی لمکافحة الارهاب یجمعها من جانب اخر مصلحة معلنة اخرى هی الحفاظ على التکامل الجغرافی للدول التی یهمین داعش على مساحات واسعة منها . وهو موقف اخر یتعارض فیه هذا الحلف مع الرؤى الامریکیة التی یتبناها المحافظون بشکل خاص ؛ الامر الذی یعطی لروسیا مساحة قبول اوسع فی الاوساط الشعبیة للدول المعنیة التی یمیل اغلبها الى فکرة الحوار الداخلی للتوصل الى مقاربات مناسبة بشان الادارة الجغرافیة لاوطانها فی المستقبل
.
بالنهایة لا تخلو لعبة الاستقطابات الجدیدة من مخاطر رغم ما تحمله من آمال عریضة فی موضوع مکافحة الارهاب . لذا یبقى الامل معقودا على دور الدبلوماسیة الروسیة فی اقناع الغریم الامریکی على ایجاد مساحة مشترکة فی الرؤیة لواقع الازمة التی ستنتج عن تمدد التطرف و تحوله الى حالة مستدامة تهدد المنظومة الامنیة الهشة لمجمل النظام الدولی . وهی الرؤیة الواقعیة الوحیدة التی یمکن عبرها الخلاص من هذا المأزق الذی خلقته الحسابات المغلوطة لواشنطن فی قراءة الجغرافیا السیاسیة للمنطقة .
بانوراما الشرق الاوسط