مسؤولون أمریکیون یعترفون بإنشاء «داعش»
خالد فلحوط
ما زال الجدل یحیط بماهیة الخطر الذی یشکله تنظیم «داعش» الإرهابی وکیفیة ظهوره، وحجم الدعم الذی لقیه حتى حصوله على هذه القوة والوجود، فیقوم الباحثون والنقاد السیاسیون بالبحث عن توضیح مناسب لظهور «داعش»، والکارثة الإنسانیة التی حلّت بجزء کبیر من الأرض السوریة. فبدا حتى الآن واضحاً أن السبب الحقیقی یکمن فی حرب أمیرکیة وعملیات سریة فی المنطقة وتنصل غربی وإقلیمی من مسؤولیتهم عن هذه الکارثة.
وعلى مدار العقود الماضیة، دخلت العملیات السریة الأمیرکیة وحرب الوکالة مع أوروبا فی سلسلة متتابعة من الأسباب والنتائج التی أدت تماماً إلى الوصول للوضع الراهن وظهور تنظیمات إرهابیة فی المنطقة؛ وبدأت سلسلة العملیات الأمیرکیة؛ التی أطلق علیها سلسلة السببیة - التی تعرف بالمعنى الشائع، بالعلاقة بین مجموعة عوامل (الأسباب) وظاهرة (التأثیر)- عندما تم إنشاء قوة کبیرة من «الجهادیین» لقتال القوات السوفییتیة فی أفغانستان عام 1980؛ وکان أسامة بن لادن متزعم «القاعدة» المحرک الأساس فی تدریب تلک القوة الإرهابیة؛ ومع غزو واحتلال أمیرکا للعراق، انتشر نشاط «القاعدة» فی العراق کقوة عسکریة کبیرة مدعومة أمیرکیاً، الذی أدى إلى استقطاب المتطرفین الإسلامویین من کل الدول، وزجهم بحرب عنیفة على أساس طائفی.
وارتبط المنشأ الفعلی لما یسمى «داعش» مباشرة بحرب أمیرکا والغرب على العراق، فقد اعترف الضابط الأمیرکی السابق فی معسکر (بوکو) فی العراق باحتجاز أکثر من 24 ألف سجین من ضمنهم عناصر إسلامویة متطرفة، ومدنیون، وسیاسیون. وما ساهم بخلق بیئة مناسبة للفوضى، قیام واشنطن بزیادة عدید قواتها عام 2008، ما سمح لتسعة من کوادر «القاعدة» الإرهابی بالتخطیط لإنشاء تنظیم إرهابی تحت مسمى «داعش».
وأکملت إدارة الرئیس الأمیرکی باراک أوباما (سلسلة السببیة) بإعطاء الضوء الأخضر لحرب أساسیة فی سوریة، مستغلة المتطرفین والسجناء الأجانب والعرب بعد حصولهم على تدریب وتسلیح مناسبین. حیث بدأت العملیات الإرهابیة فی سوریة، کفصل من فصول «الربیع العربی» الذی بدأ فی تونس وألقى بظلاله على کل دول المنطقة العربیة، ضمن مخطط غربی استعماری لتغییر دیمغرافی شامل؛ فخلال النصف الثانی من عام 2011، وفی العام 2012، تدفق آلاف (الجهادیین) إلى سوریة، وبدأ دور تنظیم «القاعدة» الإرهابی وبشکل فعلی بتفجیرات انتحاریة فی دمشق وحلب؛ وکانت حالة التفاعل الغربیة مع هذه الأحداث، القیام باتفاقات وخطط سریة مع ترکیا ونظام آل سعود وقطر لضمان عملیات التمویل ونقل الأسلحة والمرتزقة الإرهابیین للداخل السوری من أجل إحداث «عملیة تغییر سلمی للحکم» – حسب تعبیرهم.
فقد ذکر الصحفی الأمیرکی سیمور هیرش، وجود ملحق غیر منشور لتقریر استخباراتی أمیرکی، یکشف عن عملیة استخباراتیة سریة لتسلیح بعض المرتزقة الإرهابیین بالتعاون مع حلفاء إقلیمیین. وفی أوائل عام 2012، ذکر هیرش متابعة للاتفاق مع ترکیا، وبعدها مدیر الاستخبارات الأمیرکیة السابق دیفید بترایوس الذی وافق على عملیة سریة واسعة مع کل من نظامی أردوغان وآل سعود لتمویل شحنات الأسلحة اللیبیة القادمة إلى سوریة عن طریق شرکات تقیم فی لیبیا وتنظیم عملیات نقل وبیع السلاح للجماعات الإرهابیة فی سوریة والعراق.
وفی تقریر لوکالة الاستخبارات الأمیرکیة عام 2012، وحسب مصادر تحدثت لصحیفة «واشنطن بوست»، أن شحنات الأسلحة اللیبیة نقلت إلى ترکیا من تشرین الأول 2011 حتى آب 2012، والذی رافقه برنامج سری لعملیات عسکریة مشترکة فی اسطنبول.
وبحلول نهایة عام 2012، أصبح تعداد مرتزقة «جبهة النصرة» الإرهابی التابع لتنظیم «القاعدة» ما یقارب 10 آلاف إرهابی معظمهم أجانب، وتم اعتبارها القوة المقاتلة الأکثر قوة فی المیدان، بعد تمویل خلیجی کبیر؛ إذ قال ضابط استخباراتی قطری: «سوف نرسل أسلحة للقاعدة إذا ساعدتنا فی تنفیذ خططنا»... ومع انتهاء شحنات الأسلحة القادمة من بنغازی، نوه ضابط استخباراتی أمیرکی للرئیس باراک أوباما بأن العملیة السریة فی أفغانستان قد انتهت بهم لقیام وحش فرانکشتاین؛ وبعد رفض أوباما خطة بترایوس لتدریب وتسلیح ما یسمى «المعارضة السوریة»، وافق على التدریب السری لما یسمى «المعتدلین» فی نیسان عام 2013، خوفاً من وصول السلاح لأیدی الإرهابیین المتطرفین – حسب تعبیرهم. واعترفت وزارة الدفاع الأمیرکیة بأنه کان برنامجاً فاشلاً تماماً؛ واعترف حینها نائب الرئیس الأمیرکی جو بایدن فی أیلول 2014 بأن ترکیا ونظام آل سعود قد أنفقوا مئات ملایین الدولارات وأطنان الأسلحة التی انتهت بأیدی الإرهابیین المتطرفین.
ولسوء الحظ، أتت شکوى بایدن متأخرة، ما سمح لأکثر من 15 ألف أجنبی بالدخول لسوریة، وانضموا لصفوف تنظیمی «داعش» و«النصرة» الإرهابیین.
وفی بدایات عام 2015، وبعد تسلم الملک سلمان الحکم فی مملکة آل سعود، بدأت دول الخلیج الداعمة للإرهاب بترکیز الدعم لـ«جبهة النصرة» الإرهابی وحلفائه العسکریین، لتشجیعهم على تشکیل قیادة عسکریة جدیدة تحت اسم «جیش الفتح».
فإذا قامت إدارة الرئیس السابق جورج بوش الابن بزعزعة استقرار العراق من أجل زیادة الوجود العسکری الأمیرکی فی المنطقة، فإن إدارة أوباما خططت لحرب بالوکالة، ودعمتها لزعزعة استقرار سوریة، وقبلها مصر والعراق والیمن، بسبب قلقها المتزاید على قواعدها وحلفائها.
ویبقى واجباً على النقاد والسیاسیین نسب رعایة أمیرکا لحلفائها الخلیجیین تبعاً للمصالح الاقتصادیة وعقود النفط والأسلحة. وإذا أصبح النفط خارج دائرة الاهتمام الأمیرکی فی المنطقة، فالأکثر أهمیة للأمن القومی الأمیرکی الیوم هو حمایة القواعد العسکریة فی المنطقة، والحفاظ على تحالفات استراتیجیة مع دول مجلس التعاون الخلیجی الذی یعد (قرن الوفرة) لعقود عسکریة لمصنعی الأسلحة الأمیرکیین الذین یحققون أرباحاً طائلة تصل قیمة عقودها إلى أکثر من 150 ملیار دولار فی العقدین الأخیرین فقط. وتتم هذه العقود بصفقات سریة وعقود مخفیة خارج میزانیات الدول.
إن تقدیم نظرة جیوسیاسیة متکاملة عن المنطقة، والعجز الأمیرکی فی التعامل مع حالة الفوضى التی بدأت تصل تداعیاتها لکل العالم، یحتم على صقور البیت الأبیض وحلفائهم الغربیین البحث عن تسویات وحلول ناجعة توقف کرة النار الملتهبة وتعطی توضیحاً مقنعاً لکل فعل اعتدائی تقوم به أمیرکا ضد أی دولة فی العالم.
تشرین