مساعٍ أمریکیة ـ ترکیة لاستدامة وجود «داعش» فی المنطقةراشیل الذیب
قوّض الدور الذی تلعبه روسیا فی محاربة التنظیمات الإرهابیة؛ التی تعیث فساداً ودماراً وخراباً وتقتیلاً فوق الأرض السوریة؛ المساعی الأمریکیة فی «إسقاط» الدولة السوریة، کما هدد أهداف واشنطن فی تقسیم وتدمیر سوریة بصفتها دولة ذات سیادة ناهیک باستمرار المفاوضات لإنشاء ما یسمى «مناطق عازلة» أو کما یطلق علیها أحیاناً «مناطق آمنة» باعتبارها استراتیجیة رئیسة للولایات المتحدة وحلفائها فی المنطقة وترمی إلى تفکیک الدولة السوریة وتحویلها إلى دولة ضعیفة کما فعلت الولایات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسی (ناتو) فی لیبیا منذ عام 2011.
جاء ذلک فی مقال للکاتب تونی کارتالوتشی نشره موقع «غلوبال ریسیرش» مشیراً إلى أنه بینما تسعى الولایات المتحدة إلى المتاجرة باستراتیجیة ما یسمى «مناطق عازلة» فی إطار مجموعة من الذرائع من «حمایة اللاجئین» إلى «محاربة» تنظیم «داعش» الإرهابی، فقد بات من المسلمات أن الأهداف الأمریکیة الحقیقیة فی سوریة إنما تکمن فی «تدمیر» الدولة السوریة والقضاء على سیادتها.
یقول الکاتب: أضحت المنطقة الواقعة شمال حلب قرب الحدود السوریة مع ترکیا واحدة من موقعین أساسیین (الموقع الآخر هو الأردن) لإدخال الإرهابیین المدعومین من منظمة حلف شمال الأطلسی الذی قام بتدریب وتسلیح وتمویل الإرهابیین المتدفقین من لیبیا أول مرة إلى الأراضی السوریة.
کما افتتح (ناتو) عدة جبهات أخرى على طول الحدود الشمالیة السوریة بغرض السیطرة على إدلب أو حلب أو کلیهما معاً وجعلهما مقراً حکومیاً لنظام بالوکالة ومنصة استراتیجیة ولوجستیة لشن حرب أعمق داخل الأراضی السوریة.
وتابع کارتالوتشی: فی البدایة حاول الغرب جعل تنظیم «داعش» یظهر کأنه یحافظ على قدراته القتالیة داخل الأراضی السوریة والعراقیة باعتماده على النفط و«الفدى» التی یحصل علیها من عملیات اختطاف یبتز من خلالها ذوی المخطوفین، ولکن حجم عملیاته الإرهابیة منذ ذلک الحین یدحض هذه الروایة ویکشف عن رعایة هائلة یتلقاها من دولة تقف وراءه.
ومع حاجة «داعش» الملحة إلى التمویل والتسلیح؛ إضافة إلى تعویض النقص فی صفوفه القتالیة من الخارج، تظهر حاجته الأخرى إلى خطوط إمداد من وإلى هذه الموارد؛ وهنا کشف القتال بین الجیش العربی السوری وإرهابیی «داعش» على طول الحدود السوریة مع ترکیا خطوط إمدادات منظمة حلف شمال الأطلسی إلى التنظیم، ودُعم هذا الکشف بخرائط نشرت حتى من جانب وسائل الإعلام الغربیة؛ وتدل بشکل واضح على خطوط إمدادات التنظیم تحت مسمى «مناطق دعم» و«مناطق هجوم».
وأضاف الکاتب: جعل صناع السیاسة الخارجیة من الجلی تماماً معرفة ما یقف حقاً وراء إنشاء ما یسمى «مناطق عازلة» ففی حین یزعمون أنها تهدف إلى محاربة تنظیم «داعش» الإرهابی أو حمایة اللاجئین أوضح معهد «بروکینغز الأمریکی للأبحاث» الطبیعة الحقیقیة لهذه المناطق فی مقال حدیث له حمل عنوان «تفکیک سوریة: استراتیجیة جدیدة لأکثر الحروب الأمریکیة المیئوس منها» جاء فیه: إن هدف الولایات المتحدة یکمن فی مساعدة ما یسمى «معارضة معتدلة» على إنشاء ما یسمى «مناطق آمنة» داخل سوریة، فإذا ما تم هذا الأمر ستؤدی القوات الأمریکیة والبریطانیة والترکیة والسعودیة والأردنیة وغیرها دورها فی الدعم المستمر لیس فقط من الجو بل على الأرض. ویضیف بروکینغز: لیس من الضروری أن یتم تحدید نهایة اللعبة من هذه المناطق، فقد یتمثل الهدف المرحلی فی إقامة سوریة کونفدرالیة مع العدید من مناطق الحکم الذاتی، وربما تحتاج هذه المناطق مع مرور الوقت إلى دعم من قوات حفظ السلام الدولی، ولکن على المدى القصیر فإن الطموحات الأمریکیة تتبلور فی إمکانیة السیطرة على هذه المناطق والدفاع عنها بغیة المساعدة فی توفیر الإغاثة للسکان فی داخلها وتدریب وتجهیز المزید من المجندین، عندها یمکن أن تستقر هذه المناطق وتتوسع تدریجیاً فیما بعد.
ویؤکد کارتالوتشی أن هذه المناطق فی جوهرها تمثل فی الواقع اجتیاحاً واحتلالاً من جانب (ناتو)، إذ یمکن أن تستخدم الأراضی التی تسیطر علیها نقطة انطلاق لشن هجمات أکثر عمقاً داخل الأراضی السوریة إلى أن تتقسم الأمة بأسرها فی نهایة المطاف أو تدمر بشکل کامل... وعلى الرغم مما یقوله بروکینغز عن وجود حکومة وطنیة مستقرة، فإن نظرة واحدة إلى جمیع غزوات واحتلالات وتدخلات حلف شمال الأطلسی (أی فی أفغانستان والعراق، ولیبیا) تشیر بوضوح إلى أن مصیر سوریة الحقیقی سیکون بعیداً کل البعد عن الأمن والاستقرار والحکم الجید.
وتجدر الإشارة إلى أنه کشف مؤخراً خلال جلسة استماع لجنة القوات المسلحة فی مجلس الشیوخ الأمریکی أن الجنرال المتقاعد فی الجیش الأمریکی جون کین اقترح إنشاء ما یسمى «مناطق عازلة» بالطریقة ذاتها؛ مشیراً إلى استخدام اللاجئین وسیلة لردع الغارات الجویة الروسیة فی هذه المناطق الرامیة إلى مکافحة الإرهاب؛ أو بعبارة أخرى استخدام اللاجئین دروعاً بشریة.
اللافت أن القاسم المشترک بین مؤسسة بروکینغز ولجنة القوات المسلحة فی مجلس الشیوخ الأمریکی هو إنشاء هذه المناطق بهدف تدمیر سوریة واستدامة القتال؛ فمن أجل سرمدة التنظیمات الإرهابیة مثل تنظیم «داعش» و«جبهة النصرة» یجب أن یتم توفیر الدعم لها باستمرار، الأمر الذی بات صعب التحقیق إلى حدّ ما بسبب الدور الذی تلعبه روسیا الآن فی محاربة الإرهاب جنباً إلى جنب مع الحکومة السوریة.
وفی محاولة یائسة قد تحاول الولایات المتحدة الاستیلاء وتوسیع ما یسمى «مناطق عازلة» داخل الأراضی السوریة على أمل أن هذه التوسعات یمکن أن تؤدی على الأقل إلى «بلقنة» سوریة قبل أن تتمکن الحکومة السوریة بمساعدة موسکو من دحر قوى الإرهاب من أکثر المناطق حیویة؛ وسیکون هناک سباق بین قدرة روسیا وسوریة معاً فی طرد الإرهابیین وتحقیق الاستقرار فی المناطق المحررة و قدرة واشنطن على دعم الإرهابیین فی المناطق الواقعة على طول الحدود مع حصولها على تأیید الرأی العام لتقدیم الحمایة العسکریة المباشرة منها ومن (ناتو) کذلک لهؤلاء الإرهابیین؛ وتکمن فی مکان ما بین هاتین الاستراتیجیتین إمکانیة المواجهة المباشرة بین الجیش العربی السوری جنباً إلى جنب مع القوات الروسیة و قوات الولایات المتحدة و(ناتو) على حد قول الکاتب.
تشرین