ما الذی یتغیر فی الشرق ؟ | ||
ما الذی یتغیر فی الشرق ؟
غالب قندیل أظهر العدید من الکتاب اهتماما خاصا بکلام مدیر الاستخبارات الفرنسیة عن التغییرات الإقلیمیة الجاریة بعبارة " الشرق الأوسط الذی نعرفه لم یعد موجودا " وهو فی ذلک یقترب من المعنى الذی قصده نظیره الأمیرکی فی کلامه عن تضعضع الدول المرکزیة فی المنطقة وانعدام الاستقرار فیها بینما توقعت مؤسسة ستراتفور القریبة من المخابرات المرکزیة الأمیرکیة عشرة أعوام ممتدة من الاضطرابات فی المنطقة العربیة.
انصب الاهتمام فی المقالات والتعلیقات على نتائج ظهور الجماعات التکفیریة الإرهابیة التی وفرت لها الولایات المتحدة وفرنسا ومخابراتهما دعما مکشوفا ووقفت فی صفها من خلال الحلف الاستعماری الغربی السعودی الترکی القطری الذی قدم للإرهابیین التسهیلات والمال والسلاح والتغطیة السیاسیة وبالتالی فهذه الجماعات التی حضنتها ورعتها المخابرات الأطلسیة عبر غرف العملیات التی قادها جنرالات امیرکیون وربطت بالأقمار الصناعیة لتسهیل حرکة التکفیریین متعددی الجنسیات ولاشک إن هذا الأمر یمثل تغییرا خطیرا فی المنطقة تسببت به سیاسة الغرب وخططه الاستعماریة لإخضاع الدول المتمردة والعاصیة کسوریة وإیران .
لا یشعر مدراء الاستخبارات الأمیرکیة والفرنسیة والبریطانیة ولا أزلامهم فی ترکیا والخلیج بأی غربة امام ما صنعت أیدیهم ودبروه فی لیل لئیم لاستنزاف المنطقة وشعوبها فما هو المقصود إذن بالتغییر ؟ إن ذلک التغییر یطال عوامل أخرى أفرزتها التطورات وهی تبدل فی واقعها ومسارها نوعیا إلى درجة إصابة عقول التخطیط الغربیة بالذهول: أولا سقوط الجبروت الصهیونی فی المنطقة وتحول إسرائیل من قوة متنمرة واحتیاطیة یستطیع الغرب الاعتماد علیها فی إخضاع الدول المتحررة من الهیمنة إلى قوة محکومة بالعجر عن شن الحروب بفعل معادلات الردع التی فرضها محور المقاومة بأضلاعه الثلاثة إیران وسوریة وحزب الله ومعه المقاومة الفلسطینیة وبینما تنخر الکیان حالة من الرعب والعجز امام انتفاضة الشعب الفلسطینی رغم خنوع قیاداته السیاسیة وانکفائها وخمولها .
ثانیا صمود الدولة الوطنیة السوریة رغم الحرب الکونیة التی قادها الغرب ضدها ورمى بثقله فیها وثبات الرئیس بشار الأسد الذی راهنت المخابرات الفرنسیة على التخلص منه فی أسابیع ورسوخ الاحتضان الشعبی لزعامته الوطنیة فی سوریة وسقوط اوراق الخریف الأطلسیة التی تضم عملاء استخبارات ومرتزقة نفط حاول حلف العدوان ان یصنع منهم واجهة سوریة مقبولة فإذا هی تفشل فی تکوین الواجهات الهزیلة والمتهتکة وفق التقویمات الغربیة نفسها رغم صرف الملیارات وفرق التجمیل السیاسی والتسویق الإعلامی لأوباش الفنادق.
ثالثا صعود القوة الإیرانیة واضطرار الغرب الاستعماری للاعتراف بدورها الإقلیمی بل واضطرار فرنسا بالذات للزحف على الأکواع والسیقان إلى طهران لمحاولة خطب الود والبحث عن الصفقات والعقود والتطبیع فی العلاقات حیث اختار المسؤولون الفرنسیون أشد التعابیر خنوعا واستخذاءا وتسولا لطلب التجاوب الإیرانی بعدما کانوا الأشد شراسة وعدوانیة فی التنطح لمعاداة إیران واستفزازها لقاء المال السعودی والرضا الإسرائیلی وقد باتت الدبلوماسیة الفرنسیة فی المنطقة مکشوفة وتابعة للولایات المتحدة کما لم یحدث من قبل.
رابعا الحضور الروسی المباشر من بوابة الصمود السوری یجعل من روسیا قوة رئیسیة صانعة لمعادلات الشرق وبالتالی فأحد أبرز مستویات التغییر الذی یصدم الاستخبارات الغربیة هو أنه وللمرة الأولى منذ ثلاثین عاما یحضر اللاعب الروسی بدینامیکیة عالیة کقوة رئیسیة منافسة فی الشرق تحظى بأصدقاء وبشرکاء فی المنطقة التی تعود الغرب على اعتبارها ملعبه الحصری بدون شرکاء منذ انهیار الاتحاد السوفیتی قبل حوالی ثلاثین عاما . خامسا ظهور القدرة الإقلیمیة للمقاومة اللبنانیة التی یمالئها سفراء الدول الغربیة فی بیروت بکثافة مؤخرا وبعدما فشلت مؤامراتهم علیها بالشراکة مع إسرائیل والسعودیة وقطر وترکیا وبالارتکاز إلى قوى محلیة بائسة بات الغرب مدرکا لحجم تفاهتها وعجزها منذ عام 2006 القوة التی هزمت إسرائیل هی نفسها تصد الإرهاب التکفیری وتدیر الصراع اللبنانی بحکمة لا یملک الغرب سوى الثناء علیها. نعم إنه الشرق الذی تغیر وهو الشرق الجدید ولیس الشرق الأوسط الجدید الذی تحدثت عنه کوندالیسا رایس خلال عدوان تموز وهو شرق ذاهب إلى الانتصار لیکمل دورة المخاض وعندها ستکون غربة القادة الغربیین اکبر بکثیر مما هی علیه الیوم .
وکالة اخبار الشرق الجدید
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 845 |
||