هل صار تنظیم «القاعدة» جدیراً بمخالطة الغرب؟!
سلام عید
بالدرجة نفسها تثیر وسائل الإعلام الغربیة (سواء الناطقة بالفرنسیة أم بالإنکلیزیة) الدهشة (بالمعنى السلبی)، حیث بلغت طریقتها فی معالجة المعلومة أو بالأحرى فی شنّ حرب المعلومات، مستویات لا یعود فیها للأخلاق أو لآداب المهنة أیّ معنى.
فما إن دخلت روسیا مرحلة جدیدة من محاربة الإرهاب فی سوریة حتّى انتقلت کبرى وسائل الإعلام إلى مستوى آخر من حرب المعلومات، فکان آخر ما فاض به الکیل أن اتُهمت روسیا «بعدم حصر ضرباتها فی تنظیم داعش الإرهابی وبتوسیعها لتشمل جماعات أخرى تدعمها دول الخلیج (الفارسی) ویعترفون هم أنفسهم بارتباطها بتنظیم «القاعدة» وبمنظمات متطرفة أخرى.
هل یعنی ذلک إذاً أنّ الضجیج الإعلامی الراغب، منذ أیلول 2001، فی أن یکون تنظیم «القاعدة» الإرهابی العدو رقم واحد للإنسانیة لم یکن إلّا صخباً؟ فهل صارت «القاعدة» وفروعها «جدیرة بمخالطة» بعض أعضاء المجتمع الدولی أو «حلیفةً» لهم حتى؟ هل ینبغی علینا إذاً أن نعید تفسیر هجمات الحادی عشر من أیلول 2001 الإرهابیة بالکامل وأن نعید النظر فی «مدلولها» وکذلک فی مفهوم الإرهاب الدولی کلّه الذی تطوّر منذ ذلک الحین؟.
لقد کانت روسیا وفیّة دائماً لمبادئها بما فیها تلک المتعلّقة بمحاربة الإرهاب، فالإرهاب إرهاب کائناً من کان المُستهدَف به، ولا یمکن أن نقول الشیء نفسه عن النُخب الغربیة سواء على المستوى السیاسی أم الإعلامی، فی وقت ما کان تنظیم «طالبان» بنظر الغرب «مقاتلاً فی سبیل الحریة» حین کانوا یقاتلون القوّات السوفییتیة، لیصبحوا فیما بعد متطرّفین من العصور الوسطى ینبغی القضاء علیهم بأیّ ثمن!
ومنذ حادثة 11 أیلول صار تنظیم القاعدة «التحدّی الرئیس للبشریة کلّها»، أیضاً حسب تعبیر سیاسیّی وصحفیی جزء من البشریة، لکنّ هؤلاء الإرهابیین صاروا الیوم فجأة «جدیرین بالمخالطة»، حین شرعوا یعملون على «التخلّص» من حکومة عربیة علمانیة لا تناسب البتّة مصالح البعض الاستعماریة الجدیدة.
وإذ بلغ النفاق مثل هذا المستوى فینبغی ألّا نعجب مطلقاً إذا ما جاء السقوط متناسباً معه. فی أماکن مختلفة من العالم وحتّى فی الدول الغربیة یرتفع عدد کبیر من الأصوات لیقول: «إنّه ما عاد السکوت على هذا النوع من المقاربة ممکناً»، یمکننا أن نتشارک قیماً مختلفة تقوم أساساً على تاریخ کلّ منا وتقالیده (ألیس هذا ما دعا إلیه الرئیس الروسی فی خطابه أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة؟).. لکن من غیر المقبول ببساطة وتبعاً للمصالح الجیوسیاسیّة الراهنة، تصویر إرهابی صریح «کمتمرّد معتدل» لیُعاد لاحقاً، وبعد أن تکون المصالح الآنیة قد لُبّیت ودخلت صفقة جدیدة جدول الأعمال، تقدیمه بصورة الإرهابی القاتل التی کانها على الدوام.
فی الوقت نفسه، أعطت الضربات الروسیة على مواقع الإرهابیین فی سوریة، فی بضعة أیام، من النتائج أکثر مما فعلت ضربات «التحالف» على مدى أکثر من عام، ویمکننا أن نتساءل عمّا کان «التحالف» المذکور یفعله طوال هذا الوقت وعمّا کانت أهدافه الحقیقیّة؟!
منذ بدایة العملیات العسکریة الجویة الروسیة تلبیةً لطلب الحکومة السوریة الرسمی، وتبعاً لأحدث المعلومات، أصیب عدد کبیر من الإرهابیین بالهلع، ویسعى أولئک الذین یحملون جوازات سفر دول غربیة، ومنها الأوروبیة، بشتّى الوسائل للعودة إلى دیارهم، ویبقى السؤال، بعد ذلک، عما إذا کانت سلطات البلدان المعنیة سترحّب بهم أم لا؟
وصرّح آندریه کارتابولوف رئیس قسم العملیات فی هیئة الأرکان العامة للقوّات المسلّحة الروسیة: «یؤتی قصفنا مواقع الإرهابیین ثماره، یصاب الإرهابیّون بالذعر ویترک الکثیرون مواقعهم ویلوذون بالفرار، وحسب المعلومات المتوافرة لدینا یحاول أکثر من 600 إرهابی مغادرة سوریة للوصول إلى أوروبا، ما یجعلنا نفترض أنّهم من مواطنی الاتحاد الأوروبی، فی هذه الحالة لن نکتفی بعدم تقلیل عدد ضرباتنا بل وسنکثّفها بدلاً من ذلک».
تشرین