"داعش" والوهابیة.. فکر واحد بتقنیاتجدیدة | ||
"داعش" والوهابیة.. فکر واحد بتقنیاتجدیدة تمر البلاد العربیة بأزمة مزدوجة اسمها "جماعات العنف التکفیری" التی تمارس القتل وتنشر التکفیر فی آن. لاحت هذه المشکلة مع بدایة "الربیع العربی"، وتفاقمت مع بدء الهجوم على سوریا، حیث شکلت "القاعدة" مجموعات إرهابیة مسلحة تحت مسمیات عدة، تحمل فی طیاتها أهدافاً مختلفة، أهمها الوصول إلى السلطة لبناء الدولة وفق رؤیتها التکفیریة، وبالتالی حکم أطیاف متعددة فی نسیج مجتمعاتنا، لا سیما فی سوریا والعراق.
ما زاد من تعقید الأمور وانفلاتها، انتشار هذه الأفکار بشکل واسع منذ عام ونیف على وجه التحدید مع إعلان تنظیم "داعش" خلافته، لتزداد خطورة الأفکار الضالة مع ما رافقها من أعمال قتل وإرهاب بحق الابریاء والسیطرة على مساحة شاسعة من سوریا والعراق لبناء المجتمع وفق رؤى هذه الجماعات.
أفکار "جماعات الإرهاب والتکفیر" لیست جدیدة، إنما هی ذاتها ولیدة أفکار الوهابیة التی تحکم السعودیة.. لا فرق بین الفریقین إلا بالاسم فقط، فالعقیدة واحدة والأفکار متطابقة؛ التکفیر لمن لیس معهم وقتل من یخالف عقائدهم والوصول إلى السلطة.. وهی موجودة منذ انتشار أفکار ابن تیمیة ثم جرى إحیاؤها مع محمد بن عبدالوهاب واتباعه، أما الفرق الوحید هو أن نشرها واتباعها وتطبیقها أصبح بأسالیب مغایرة عما کانت علیه وبتقنیات جدیدة لتتم قولبتها بقوالب محببة للکثیرین من الذین یتم خداعهم ومکرهم بهذه الأفکار، ما یجعل الناس یتعلقون بها على أساس أنها المعیدة لأمجاد الخلافة الإسلامیة، مع أنها بعیدة کل البعد عن الدین الإسلامی، وإنما هی تدعو الى القتل والاکراه والاجرام والإرهاب. عقیدة التکفیر المتتبع لمسار تنظیم "داعش" وأفکاره، یرى عدم وجود أی فرق بین هذا الفکر المتطرف وتعالیم الوهابیة إلا بالأسالیب والتقنیات المستخدمة، مع فوارق ضروریة لخدمة هذه الأفکار بالتوافق مع ما یریده العصر التقنی الذی یبهر المشاهد من خلال الصور وتقنیات الإعلام المتطور، علماً أن آلات التصویر کانت محرمة لدى الوهابیین. إن العقائد التی یسیر علیها "داعش" هی ذاتها عقائد الوهابیة، التی تکفر أهل السنة والجماعة ممن یعتقدون باستحباب زیارة قبر الرسول (ص) ویؤمنون بشفاعته وبنوا القبة الخضراء على قبره، فالوهابی الکبیر الذی علمهم على هذا الحقد، یقول فی کتاب الجواهر المضیئة: "کیف تدعو مخلوقاً میتاً عاجزاً". وقد أراد أتباعه عند احتلالهم المدینة المنورة تهدیم القبة الخضراء فوق قبر رسول الله لکن التظاهرات التی عمت بلاد المسلمین منعتهم من ذلک. ویعتبر أحد أخطر أسالیب الوهابیة هو اتباع منهج ابن تیمیة فی جواز الکذب والافتراء وإخفاء الحقائق فی مواجهة من یخالفهم الرأی من المسلمین بشکل عام، وهو ما یقوم به حالیاً أتباع الجماعات التکفیریة حیث یحورون کتباً کثیرة من أجل الافتراء على من لا یؤیدهم المعتقد والرأی. ولدى هؤلاء أراء عجیبة فی الکثیر من القضایا الشرعیة، ولهم تصورات غریبة تدل على الجهل بکتاب الله وسنة نبیه، ومنها حرمة تقبیل المصحف الشریف، أو عندما ادعى ابن باز بأن الأرض تدور حول الشمس لا العکس، او قص الشعر. أما الأخطر من هذا، هو هدر دماء المسلمین وأموالهم ممن یعارضهم سواء کانوا من أهل السنة أو من غیرهم، وهذا ما یعتمده وینفذه إرهابیو "داعش" وغیرهم من تنظیمات (کجبهة النصرة وغیرها) فی سوریا والعراق. لا بل إنهم یفتون بأن أشد درجات الکفر هو الترشح والمشارکة فی المجالس النیابیة المختلفة لأن النواب یشرعون القوانین و"من شرع للناس فقد جعل نفسه الهاً ونداً لله". لقد انتشر فکر الوهابیین الذی یدعو الى قتل الابریاء فی بلاد المسلمین بدعم سعودی من خلال بناء المدارس والمعاهد التی تدرس هذه الأفکار، وقد وقعت عدة حوادث إرهابیة فی الجزائر من قتل اطفال وزوجات ضباط من الجیش، او فی مصر والیمن من خلال قتل الاجانب او اختطافهم، او فی افغانستان وباکستان، وکل ذلک من انتشار هذا الفکر التکفیری. منهج قتالی تکفیری واحد إن "داعش"، ومثله تنظیم "القاعدة"، یتبع منهجاً قتالیاً اتبعه الوهابیون منذ نشوئهم، ولکن هذا المنهج أصبح أکثر تطوراً ووضوحاً عند سیطرته على مساحات فی سوریا والعراق. هذا المنهج یقوم على اعتماد الشدة والغلظة والإرهاب والتشرید والإثخان فی تعذیب المناوئین للتکفیر وذبحهم بل حرقهم وهم أحیاء. کما یقوم على اعتماد سیاسة افساد الاستقرار، فلا یجوز أن یستقر ای بلد من البلدان إذا کانوا قادرین على افساد الاستقرار فیه، وضرب کل بلد لا یحکم بشریعتهم. والأخطر من ذلک فإنهم یزعمون أن الابریاء الذین یقتلون نتیجة عملیاتهم الانتحاریة إنما هم مأجورون فی حال کانوا من مؤیدیهم، ولکنهم یمکن ان یکونوا آثمین بسبب قعودهم عن الجهاد.
إن "داعش" والقاعدة کما الوهابیة یتمیزون بدرجة عالیة من الجهل بالإسلام ومن فهمهم للشریعة الإسلامیة والقرآن الکریم، کما أن أعلى درجات الجهل تتمثل فی فهمهم لمعنى الکفر والکافر، وهذا الجهل بالإسلام والشریعة هو الذی أدى بهم إلى هذه الدرجة، والأخطر من ذلک هو أن هناک وسائل إعلام تسوق لأفکار هؤلاء التکفیریین للتأثیر فی المسلمین بطرق الکذب والافتراء. وللأسف حتى الآن لم تتم محاربة أفکار هؤلاء بالشکل المطلوب ولا یزال هناک من یدعمهم لمآرب خاصة، وبالتالی فإن ما یحضر لحکم البلاد العربیة أصعب بکثیر مما کانت علیه فی حال استمر تمدد تنظیم "داعش" أو وصل أشخاص یحملون هذه الأفکار إلى السلطة، لذلک فإن على المواطن العربی أن یدرک ما یحضر له من مستقبل زاهر من الحریة، ویکفی أن ننظر إلى الحکم فی السعودیة. * علی ابراهیم مطر - الاخبار
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,259 |
||