ذریعـة «الحرب علـى داعـش» والأطمـاع الأمیـرکیة –الترکیة
خالد فلحوط
ضج العالم بخبر سماح ترکیا للطائرات الأمیرکیة باستخدام قواعدها لضرب مواقع ما یسمى تنظیم «داعش» الإرهابی فی سوریة. ویدور الحدیث عن «تغیر فی قواعد اللعبة». لکن من الواضح أن «الحرب الأمیرکیة على تنظیم «داعش»، تعد تطوراً جیداً للمساعی الأمیرکیة الاستعماریة لزعزعة استقرار الدول. وبحسب صحیفة «وول ستریت»، قال مسؤولون عسکریون إن هذا التحرک العسکری یعد «تحولاً ذا دلالة استراتیجیة، إنه صفقة کبیرة». والحقیقة أن ترکیا کانت ولاتزال اللاعب الأساس فی هذه الحرب. وکنتیجة، فإن التطور الحتمی فی دعم التنظیمات الإرهابیة من ترکیا وأمیرکا وربیبتها «إسرائیل» هو فی النهایة انخراط أعمق للقوة الأمیرکیة فی القتال، وترکیا لیست أکثر من قوة عسکریة متورطة أکثر فأکثر بحرب أشعلتها بنفسها.
فالحرب على «داعش»هی مجرد ذریعة للتورط الترکی فی سوریة والمنطقة، و«العثمانی الجدید» لیس فقط یستعرض عضلاته العسکریة فی مخطط «لإسقاط» الدولة السوریة، بل یسعى جاهداً لاستغلال الأحداث المأسویة الجدیدة کغطاء دبلوماسی وسیاسی لإشعال حرب عدوانیة جدیدة ضد الأکراد، خاصة «حزب العمال الکردستانی».
ویبدو واضحاً أن التحرکات الأخیرة لترکیا تندرج فی مفهوم الحرب الإقلیمیة ضد دولة شرعیة مستقلة، وأصبح واضحاً أنها تحولت من الاستراتیجیات والتکتیک السری إلى المشارکة العلنیة بالعملیات. ویظهر التبریر الفوری لإطلاق هجمات جویة ضد معاقل تنظیم «داعش» الإرهابی فی أعقاب التفجیر الإرهابی فی إحدى المدن الترکیة والذی عدته الحکومة الترکیة عملاً إرهابیاً یتطلب التحرک لردعه. وضمن هذا السیاق، وحسب روایة الحکومة الترکیة، فإن «داعش» هو المسؤول عن التفجیر الإرهابی و«على العالم أن یدرک أن الحکومة الترکیة بریئة»، وهذه هی الرسالة التی ترید إیصالها هذه الحکومة ومدینة سروک هی الضحیة البریئة للإرهاب الدولی. مع العلم بأن ترکیا هی الداعم الأساس لوجستیاً ومادیاً لتنظیم «داعش» الإرهابی ولغیره من التنظیمات الإرهابیة المنتشرة فی الأراضی السوریة والعراقیة، لذلک فالحکومة الترکیة تتحمل الجزء الأکبر من المسؤولیة عن تفجیر سروک.
فمنذ عام 2012، على الأقل، کانت ترکیا القناة الرئیسة لتدفق السلاح للداخل السوری، وکما أکدت صحیفة «نیویورک تایمز» الأمیرکیة، فإن وکالة الاستخبارات الأمیرکیة قامت بتهریب السلاح للجماعات الإرهابیة عبر الحدود الترکیة، مستخدمة عناصر من جماعة «الإخوان المسلمین» المرتبطین بها منذ وقت طویل. بینما کشفت «رویترز» عن قیام ترکیا بإنشاء قاعدة سریة بالتعاون مع حلفائها الإقلیمیین والدولیین لتمریر مساعدات عسکریة ولوجستیة للإرهابیین فی سوریة والعراق.
وإلى ذلک، تعد ترکیا الید الأساسیة فی عملیة تهریب الأسلحة والإرهابیین. فبعد أن نشرت صحیفة «جمهورییت» الترکیة مقاطع فیدیو عن التنصت على المکالمات الهاتفیة، یصبح مؤکداً أن ترکیا واستخباراتها متورطة فی المعسکر القائم على تسلیح وتدریب الجماعات الإرهابیة فی سوریة وفی العملیات العسکریة لتنظیم ما یسمى «جبهة النصرة» الإرهابی فی المناطق الساحلیة والحدودیة.
فالعدید من المرتزقة الإرهابیین الذین سلحتهم ودعمتهم أنقرة فی سوریة، تقوم باحتجازهم بحجة أنهم أعداء الشعب الترکی، فی اعتراف ترکی بخطر الإرهاب على بلادهم، وترشید الحاجة لتدخل عسکری ترکی. ومع التورط الترکی فی نشر الإرهاب فی سوریة، أصبح تبریر الحرب أمراً واهیاً، ویبقى السؤال: ما هو هدف أنقرة وما الذی تأمل فی کسبه من هذه الحرب؟
فاستخدام تنظیم ما یسمى «داعش» الإرهابی من قبل الحکومة الترکیة ذریعة لزعزعة استقرار المنطقة خاصة سوریة والعراق، یضع أنقرة أمام خیاراتها الصعبة، خاصة بعد أن هُزم وکلاء الإرهاب وحلفاء ترکیا، وأصبح العثمانی أردوغان بحاجة لتوفیر التفوق العسکری الساحق لتحقیق غایاته، بالرغم من التغطیة السیاسیة والإعلامیة واسعة النطاق والدعم العسکری والمادی، لذلک یسعى الفریق الأردوغانی لإقامة ما یسمى «منطقة حظر جوی» على الأراضی السوریة بطول الحدود الترکیة ما یسمح له بتمریر مخططاته، وبتدخل عسکری بحکم الأمر الواقع.
وتعد التغطیة الإعلامیة والسیاسیة لهدف حرب أردوغان على «داعش» غیر ناجحة، فإعلان المرحلة الجدیدة من الحرب بقصف مناطق کردیة فی سوریة والعراق، ومعاقل لـ«حزب العمال الکردستانی» یسجل انتهاکاً صارخاً للقانون الدولی، وربما الأهم من ذلک، والغائب عن أذهان الدول الغربیة، أنه بالتعاون مع أمیرکا، تسعى ترکیا لدعم ما یسمى «المعارضة المعتدلة» وهی فی الحقیقة «جبهة النصرة» و«داعش» و«القاعدة» الإرهابیة. ولذلک، ومن هنا فإن أردوغان یعترف ضمناً ومن غیر قصد بأن بلاده هی الحاضن الأساس للإرهاب فی سوریة.
وعلى الرغم من دعوة أنقرة لاجتماع بموجب المادة (4) من اتفاقیة «ناتو» التی تنص على التشاور، فلم یعمد الحلف حتى الآن لمناقشة التورط الترکی فی قضیة الأکراد، وإعلان أنقرة الحرب علیهم بل حصلت ترکیا على دعم ضمنی من قبل واشنطن التی تؤید السیاسة الترکیة فی المنطقة.
وفی النهایة، فإن صمود سوریة یعتمد على تصمیم وعزیمة الجیش العربی السوری وحلفاء سوریة وقدرة المقاومة الشعبیة فی المنطقة لتنظیم نفسها وحشد طاقاتها ضد مخططات الامبریالیة وأهدافها.