داعش الصدمة والرعب | ||
داعش الصدمة والرعب
مقالة :عبد الصمد السویلم یعتمد تکتیک الصدمة والرعب على اتباع اسلوب الحرب الخاطفة والهجوم المفاجىء عسکریا مقارنا لاسلوب اثارة الرعب فی الحرب النفسیة . الهجوم المفاجئ أو الهجوم الخاطف أو تکتیک الصدمة هو مناورة هجومیة فی المعارک، والتی تقوم فیه القوات المهاجمة بالهجوم بقوات کبیرة وبأقصی سرعة. الهدف من هذا التکتیک، توجیه ضربة مباشرة قویة ضد العدو، تهدف إلى کسر تشکیلاته وتحطیم معنویات جنوده. استخدامه قدیمًا کان هذا التکتیک ینفذ قدیمًا عادة باستخدام سلاح الفرسان، وأحیانًا باستخدام المشاة المدججة بالسلاح. غالبًا ما کان الفرسان یستخدمون الحراب الطویلة، وبأقصى سرعة ضد تشکیل العدو. استخدامه حدیثًا بعد اختراع الأسلحة الناریة، تضاءل استخدام سلاح الفرسان فی التکتیکات العسکریة، وأصبح استخدام المشاة المددجة بالأسلحة الناریة أکثر شیوعًا. ولکن مع انتشار تکتیک حرب الخنادق فی الحرب العالمیة الأولى، أصبح استخدام المشاة أیضًا غیر فعال، حیث جعلت الرشاشات من هذا التکتیک غیر مجدی. ولولا اختراع الدبابات، لما أمکن استخدام تکتیک الهجوم المفاجئ ثانیةً. فی الحرب العالمیة الثانیة، عدّل الألمان التکتیک لیتلائم مع الحرب المدرعة. کان الناتج هو تکتیک الحرب الخاطفة الذی اعتمد على استخدام الدبابات، وحققت إنجازات کبیرة خلال الحرب، فانتشر استخدامه فی معظم الجیوش الحدیثة. استخدمت الولایات المتحدة الأمریکیة فی حرب الخلیج الثانیة تکتیکًا اسمته "الصدمة والرعب"، وهو تکتیک جمع بین الحرب البریة و الجویة. ونظرا لمتطلبات هذا النوع من الهجوم , فإن العسکریة الحدیثة اوجدت ما تسمى ب ( قوات المشاة المیکانیکى ) المزودة باسرع مرکبات الحرکة التی تمکنها من تنفیذ هذه الاستراتیجیة , الا ان القیادة العسکریة تلجأ _ عادة _ إلى الهجوم فی البدایة باستخدام قواتها الخاصة قبل الهجوم بباقى القوات حتى تقوم القوات الخاصة باحداث أکبر قدر ممکن من الخسائر للعدو وتفقده توازنه سریعا وهو ما یسمى باسلوب لدغة العنکبوت الذی یلجأ إلى شل الفریسة اولا قبل الهجوم علیها. عموما , یستلزم للقوات المهاجمة عدة شروط لتطبیق هذا التکتیک من المعارک , منها : سرعة تحرکها , قوتها النیرانیة اعلى ما یمکن , قائدها ذکى وصاحب خطة مرنة لتعدیل الموقف فی أى وقت . لکن یظل أهم شرط هو عنصر المفاجأة والاخفاء التام لوضع هذه القوات عن العدو حتى لا یأخذ احتیاطاته . عملیا تقلصت امکانیة تنفیذه لهذا السبب الاخیر مع تطور الوسائل التکنولوجیة فی الاستطلاع والرصد وکذلک فی الاعمال المخابراتیة وذلک بوجود الأقمار الصناعیة التی تمتلک القدرة على مسح کامل ارض المعرکة واکتشاف تجمعات العدو مما یفشل من عامل المفاجأة . منذ ظهور تنظیم "القاعدة" فی منتصف تسعینات القرن الماضی کان مؤلفا من خلایا سریة ونائمة فی عدد کبیر من البلدان الاسلامیة والاوروبیة وفی الولایات المتحدة. وباستثناء "طالبان" التی اقامت نظام حکم بإیدیولوجیا "القاعدة" وبدعم باکستانی، لم تشکل "القاعدة" جیشا ظاهرا ولا مواقع عسکریة.
عندما ظهرت "القاعدة" فی العراق بقیادة ابی مصعب الزرقاوی عام 2004، احتلت قرى واحیاء فی بعض مدن وبلدات الأنبار حیث کان یسود استیاء من السلطة العراقیة الحاکمة ومن الامیرکیین ایضا، الامر الذی مکن تنظیم "القاعدة" ولاول مرة منذ ظهوره، من العمل علنا داخل مدن وقرى. لکن التنظیم کان دائما ینفذ هجمات محدودة أوعملیات انتحاریة بسیارات مفخخة أوأحزمة ناسفة. فی سوریا تغیر الامر، اصبحت دولة الاسلام فی العراق والشام (داعش) مستقلة عن "القاعدة" نظرا للخلاف الکبیر بین ابی بکر البغدادی وایمن الظواهری الذی تکرس نهائیا بعد الحرب الضروس مع فرع "القاعدة" فی سوریا (جبهة النصرة) واعلان الخلافة الاسلامیة. اصبح لـ"داعش" جیش ظاهر یتألف من عشرات الالوف، وله نظام تعبئة دولی یستقدم المقاتلین من مختلف انحاء شمال افریقیا والخلیج وجنوب روسیا وآسیا الوسطى واوروبا الى سوریا والعراق عبر ترکیا. وعلى الارجح انه النظام نفسه الذی یعتمده تنظیم "القاعدة". کما ان "داعش" اتخذت مواقع ظاهرة وسیطرت على مدن وقرى وبات لها قاعدة لوجستیة تشکل ترکیا الاساس فیها نظرا الى الاتصال الجغرافی المباشرمع ترکیا. اسقطت "داعش" عقیدتها السلفیة الجهادیة على جیشها واعتمدت تکتیکا خاصا بها فی کل العملیات الحربیة بوحی من تلک العقیدة. فی الایدیولوجیا عقیدة "داعش" هی نفسها عقیدة تنظیم "القاعدة" التی تعتنقها "جبهة النصرة" و"الجبهة الاسلامیة" ومعظم التنظیمات الاسلامیة المتشددة العاملة فی سوریا. اما الخلاف بینها وبین باقی التنظیمات فهو صراع على السلطة والنفوذ ولا تدخل العقیدة فیه. لکن "داعش" اکتسبت شهرة ورهبة بسبب قسوة سلوکها الحربی فی القتل وتصویرأعمال قطع رؤوس الأسرى واعدامهم وتعمیم المشاهد على شبکة الانترنت. هذا الاسلوب اعتمدته "جبهة النصرة" وباقی التنظیمات المشابهة بنسبة اقل أوباعلام اقل. مع ذلک انشدّت الانظار نحو "داعش" باعتبارها اخطر المنظمات الارهابیة وساهم فی ذلک الرئیس اوباما الذی تحدث مرارا عنها وشد انتباه العالم لها فی تصریحات کثیرة وجاء فی احدها: "إن داعش تمثل تهدیدا لشعبی العراق وسوریا والشرق الأوسط عموما بمن فیهم مواطنون وموظفون أمیرکیون ومنشآت أمیرکیة. ویمکن أن یشکلوا تهدیدا أکبر یتخطى تلک المنطقة، فقد هدّد قادة داعش أمیرکا وحلفاءنا". تکتیک داعش العسکری( الصدمة والرعب) توصلت "داعش" الى احتلال اراض واسعة فی الرقة وعلى حوض الفرات وفی بادیة الشام والانبار وسهل نینوى باعتمادها تکتیکا ممیزا فی ما یلی اهم عناصره: - اعتماد المفاجأة فی اختیار الاهداف والهجوم علیها کما حصل فی الرقة والموصل. - السرعة فی التحرک نحو الاهداف المحددة وهذا یعنی مهاجمة الاهداف فی المناطق المنبسطة وتفادی المعارک فی المناطق الجبلیة او الوعرة التی تتطلب وقتا وجهدا لعبور موانعها الطبیعیة. - العملیات الخاطفة باستخدام قوات کبیرة العدد ضد اهداف محدودة الامکانات وخصوصا القرى والبلدات الصغیرة. فقد استغرق احتلال 185 قریة فی ریف عین العرب مدة اسبوع. - الاعتماد على العملیات الانتحاریة فی شاحنات وسیارات مفخخة تفجر فی المداخل والتحصینات کما حصل فی مقر قیادة الفرقة 17 فی الرقة وفی مطار الطبقة وفی حربها مع النصرة. وبعد التفجیرتتقدم قوات "داعش" مباشرة وتحت تأثیر الهول والمفاجأة اللذین یصیبان الوحدات المدافعة لتحتل الهدف. - الاعتماد على طابور خامس فی المدن الکبرى، یثیرالفوضى ویمهد لهجوم قواتها ودخولها الى المدینة وهذا ما حصل عندما مهد النازحون فی الرقة لهجوم "داعش" وشارکوا فی احتلالها خلال ساعات معدودة. وفی الموصل ایضا عندما رتبت "داعش" امر انهیار الجیش والشرطة وفرارعناصرهما قبل دخولها السریع الى المدینة. یشیر هذا المبدأ الى وجود اتصالات لـ"داعش" مع قوى اقلیمیة ومحلیة فی العراق وسوریا استغلتها لتحقیق هذا التوسع الکبیر. - اعتماد اسلوب الصدمة والرعب وذلک بالهجوم الخاطف وارتکاب المجازر وتصویرها وتعمیمها على مواقع التواصل الاجتماعی وتشجیع بثها فی شاشات الفضائیات، وخصوصا قطع الرؤوس والاعدامات الجماعیة والذبح التی تثیر الرعب وتجعل من اسم "داعش" وحده رعبا حقیقیا یدفع القرى والمدن المعرضة لخطرها الى الفرار السریع. وفی هذا المجال ارعبت "داعش" عشائر دیر الزور عندما ارتکبت مجزرة عشیرة الشعیطات وارعبت ایضا عشائر العراق عندما ارتکبت مجزرة عشیرة ابو نمر. - الهجوم بدلا من الدفاع. تلجأ "داعش" دائما للهجوم ولا تتورط فی اعمال دفاعیة. وعندما تتعرض لهجوم کما حصل فی السفیرة قرب حلب وجرف الصخر جنوب بغداد تسارع الى الانسحاب والفرار بدلا من الانغماس فی قتال دفاعی. - اعتماد مراکز قیادة وسیطرة متطورة تستطیع من خلالها ادارة العملیات الحربیة بسهولة ولیونة ترتکز على نظام اتصالات متقدم یصعب التشویش علیه. وقد اثبت جهاز القیادة والسیطرة لـ"داعش" فاعلیته فی مسرح عملیات یمتد من عین العرب غربا الى اربیل وخانقین شرقا ومن سهل نینوى شمالا الى جرف الصخر جنوب بغداد جنوبا. کانت "داعش" تقاتل على جبهات متعددة فی وقت واحد وتناور بالقوات بکفاءة عالیة. تکمن فی هذا التکتیک نقطة ضعف تصیب منها مقتلا اذا اعتمدها اعداء "داعش"، وهی انها بحکم عقیدتها لا تستطیع القیام بحرب استنزاف او حرب تقلیدیة، بل تلجأ الى الهجوم من اجل تحقیق هدفها. ورغم تدخل طیران التحالف الذی تقوده الولایات المتحدة – الذی لم یتعرض لجهاز الاتصالات والقیادة والسیطرة بعد - بقصف مواقع "داعش"، فانها لم تتورط فی حرب استنزاف فی عین العرب کوبانی ولا تزال تشن هجوما تلو آخر وتتلقى ضربات الطیران من دون ان تتخلى عن عقیدتها الهجومیة. وما فاجأ "داعش" فی عین العرب هو ارادة القتال عند وحدات حمایة الشعب الکردی فی هذه المدینة. وهی نفسها الارادة التی کانت مفقودة فی ریفها. لم تُختبر "داعش" فی صد هجوم جدی وحقیقی من أیة قوة، فهی انسحبت من حقل الشاعر شرق حمص بسرعة ولمرتین لانها شعرت بجدیة المهاجمین وتصمیمهم. بینما لم تلمس خطورة فی الهجمات المتکررة على تکریت والفلوجة. وعوضا عن القتال الدفاعی لجأت الى الهجوم على الرمادی کافضل وسیلة للدفاع. نتج صعود "داعش" السریع عن اعتمادها الهجوم والسرعة والمفاجأة والصدمة والرعب من دون ان تلاقی مقاومة حقیقیة من اعدائها. اما وقد بدأ أعداؤها یقاتلون بارادة صلبة فی کوبانی وأمرلی وجرف الصخر تکریت فذلک یشیر الى مرحلة تراجع "داعش". فالصعود السریع یلیه حتما هبوط سریع. | ||
الإحصائيات مشاهدة: 1,133 |
||