لماذایقتلالتکفیریونالنخب؟

علی رضا مازاریان

التیارات التکفیریة لا تقتل فقط الطبقات الجاهلة و الفقیرة المسیحیة و الإیزدیة و الشیعة و السنة، بل إن لدیهم برامج شریرة خاصة من أجل المثقفین والعلماء والمفکرین والمبدعین الشجعان.

نطالع فی الأخبار أن التیارات التکفیریة تقوم بتکفیر النساء المتعلمات و المثقفات أولاً ثم تقتلهن، أو تفعل الشیء نفسه مع علماء الدین من الأدیان و المذاهب الأخرى. إن قصة داعش الیوم هی نفس قصة التکفیر و الإرتداد و هذه القصة فی العالم الإسلامی قصة مؤلمة و قدیمة و مکررة، لکنها فیکل مرة تُحکى أو تتکرر تثیر موجة من الدموع فی العیون و الدم فی قلوب الحکماء و المشفقین على المجتمع البشری. 
من أجل دراسة هذا السلوک، یعنی الردة و قتل النُّخَب لا بدّ من العودة إلى العصور الماضیة. اسمحوا لی أن أنقل لکم تقریراً مختصراً عن عدة قصص قدیمة ثم نعود بعدها لقصة الیوم فی العالم الإسلامی. الحسین بن منصور الحلاج العارف و الشاعر المشهور تم إعدامه عام 299 هجری قمریفی بغداد ثم قاموا بعد ذلک بقطع یدیه و رجلیه و رأسه و أحرقوها. عین القضاة الهمذانی المفکر و العارف و الشاعر و مفسر القرآن الإیرانی تم إعدامه فی بغداد منتصف اللیل عن عمر بلغ 33 عاما و ذلکفی عام 525هجری قمری. بعد خمسین عام تم و بأمر من ابن صلاح الدین الأیوبی خنق الفیلسوف الإیرانی الکبیر شهاب الدین السهروردی فی قلعة فی حلب بعد عمر قصیر ملیء بالعطاء و بعد تدوینه لأکثر من أربعین عمل فلسفی مبتکر و مؤثر عن عمر بلغ 38 عاما. الفقیه الشیعی الکبیر شمس الدین محمد بن مکی بن أحمد العاملی النبطی حیث تم قتله فی وضح النهار بطریقة بشعة و مؤلمة عام 786هجر و ذلک بفتوى من القاضی برهان الدین المالکی و موافقة عباد بن جماعة الشافعی حیث تم قتله بالسیف فی قلعة دمشق و علّقوا جسده على المشنقة و قاموا برمیه بالحجارة حتى عصر ذلک الیوم، ثم أنزلوا جسده عن المشنقة و أحرقوه و قاموا بذر رماده فی الهواء. 
فیکل هذه الجرائم القدیمة على ما تبدو لکن دماءها مازالت تغلیفی التاریخ حتى الیوم، کان العلماء السطحیین و اللاعقلانیین یحظون بالسلطة من جهة، و من جهة أخرى یتم القضاء على العلماء الحاذقین الأحرار و الممیزین. فی جمیع تلک الجرائم کانت قوة الإستبداد تزداد بالتزامن مع قتل النخب، و بالموافقة على تلک الجرائم الجبانة من قبل الحاکم کان علماء البلاط یؤیدون الحاکم مطلقین یده فی القیام بأی ظلم أو عمل غیر عادل. 
فیکل تلک الجرائم کان الدافع الدینی هو المبرر و الغطاء لجرائم و وحشیة الحکام و علماء البلاط، کما کانت تقوى و روحیة الأشخاص الذین یقتلون أکبر بکثیر من أولئک العلماء السطحیین القابعین فی البلاط، لو کان باستطاعتنا أن نضع اسم التقوى و الروحیة على علماء البلاط المنافقین. إن الجرائم کثیرة و قصص التکفیر هی مزیج من الجهل و العنف و فی المقابل فإن المقتولین هم أشخاص حکماء و محبّین و شعبیین. و فی هذه الأیام أیضاً تتّبع التیارات التکفیریة نفس الإستراتیجیة فی إرعاب المثقفین و النخب و خداع و استغفال الجماهیر، کما أنهم فیکافة الدول الإسلامیة یستغلون فراغ السلطة بحیث یضعفون جذور شجرة المعرفة و الحریة بفأس عنفهم و غبائهم. إن أفضل عمل هو دراسة علمیة و مفصّلة للتاریخ و أخذ العبر منه و عدم تکرار الأخطاء، و کذلک تقویة قنوات اتصال النخب و الجماهیر فی العالم الإسلامی لتتحلى بذلک الجماهیر بأفکار أکثر قوة و بصیرة و تتمتع النخب بقاعدة شعبیة و إجتماعیة أقوى و أکثرشفافیة.

المصدر: قدس أونلاین