هل سحرتنا داعش وجعلتنا جنوداً لها فی حربها النفسیة؟ | ||
هل سحرتنا داعش وجعلتنا جنوداً لها فی حربها النفسیة؟
بقلم: عاصم الجابری فعلاً مثلما یقولون، ان ساحة الحرب الحقیقیة، هی العقل! الحرب النفسیة عرفها الانسان منذ ظهور الحروب والصراعات على الارض، وأدرک أهمیتها الاستراتیجیة فی حسم النزاعات والقتال فی الجبهات، وذلک لاستهدافها عقل الانسان والسیطرة علیه، ومن ثم التحکم به، ولا تحتاج الى آلة عسکریة ضخمة، وعدد کبیر من المقاتلین کما فی جبهات القتال، ولأهمیة هذه الحرب، أسست الدول المقتدرة أکادیمیات تعمل بها عقول جبارة، تدرِّس قواعد وفنون وأسرار هذه الحرب، کما أنها أنفقت أموالاً طائلة، وبذلت جهوداً جبارة، من أجل دعم مقومات هذه الحرب الاساسیة، کالاعلام ووسائل التجسس والاتصالات والنشر. وفی المقابل تجد حکوماتنا لا تتوفر لدیها المؤسسات والتقنیات التی تحمینا من ضرر هذا النوع من الحروب الخطرة. أیضاً لا نملک أساساً حکومات وطنیة مخلصة للوطن والشعب، جل حکوماتنا تابعة للغرب الا من رحم ربی، وغالبیة المسیطرین على مفاصلها، أتوا من الهامش، لا یتوفرون على المعرفة والتجربة الکافیة لادارة مؤسساتهم، أی أنهم لیسوا برجال دولة، وإن وجد الکفوء، فغالباً ما یکون عمیل لتلک الدول التی درس فی معاهدها وتربى فی مؤسساتها المخابراتیة! فی حرب الخلیج الاولى عام 1991 التی قادها المجرم جورج بوش الاب ضد العراق، هرب الکثیر من الجیش العراقی قبل اشتعال الحرب فی الجبهات، بسبب الحرب النفسیة التی أقنعت الجندی العراقی بعدم جدوى القتال لإنعدام التکافؤ فی العدة والعدد، وبالتالی إنهیار معنویات الجیش وانهزامه. وعندما هاجم الحرس الجمهوری الصدامی مدینة النجف إبان الانتفاضة الشعبانیة فی آذار 1991 کنت فی بیت الوالدة فی قلب مدینة النجف، قبل الهجوم بساعات مع بدایة اللیل سمعنا خبراً من مذیاع تحمله سیارة تجوب المدینة، أن الدکتاتور صدام مُسِکْ وقُتِلْ! وعلى أثر هذا الخبر أخذ کل من یحمل السلاح فی المدینة یطلق النار فی السماء ابتهاجاً بهذا الخبر، وأستمر اطلاق النار على مدى حوالی ساعتین، الى أن نفذ العتاد، تبین فیما بعد، ان الدکتاتور صدام لم یُمسک، وهذه کانت إشاعة أطلقتها استخبارات الحرس الجمهوری الصدامی من أجل استهلاک العتاد ومعرفة مواقع المسلحین! بعدها مباشرة بدأ القصف، واستمر فی تلک اللیلة الى الصباح الباکر بالاسلحة الثقیلة وقنابل الطائرات الهلوکبتر على وسط المدینة وغالبیة أحیائها، لم ننم طول اللیل من شدة القصف، وکانت والدتی الى جواری أسمع دقات قلبها بوضوح من شدة الرعب، کانت على عدد دقات قلبها تنفجر القنابل، أسمعها قریبة منی وکذلک بعیدة، فی تلک اللحظات اختفى الخوف من قلبی، فخرجت الى سطح المنزل أستطلع ما یحدث حولنا، کنت أرى ومیضاً فی السماء ویعقبه صوت انفجار مرعب، فی الصباح الباکر توقف القصف، وکنت أظن أن أغلب بیوت المدینة دمرت وأصبحت أثر بعد عین، ولما خرجت، فوجئت أن الاضرار لا تتناسب وشدة القصف، فقط بعض جدران المنازل القدیمة فی حیّنا سقطت! هذا یدل على احتمالین: اما العنایة الالهیة تدخلت وحمت المدینة، أو إن الحرس الجمهوری کان یستخدم قنابل أغلبها صوتیة، من أجل نشر الرعب فی قلوب الناس، ویهربون، وهذا هو الارجح، فعلا إن أغلب الناس هربوا بأتجاه ناحیة أبی صخیر. فی هذا الجو المشحون بدخان البارود، وأصوات طلقات الکلاشنکوف، بدأت أسمع أن الحرس الجمهوری أطلق فی تلک اللیلة أربعون صاروخاً من نوع سکود الروسی ذات القوة التدمیریة الهائلة، وأستخدم المدفعیة الثقیلة، وهدد بأستخدام الاسلحة الکیماویة فی حال لو قاوم المنتفضون! على أثر ذلک تجولت بسیارتی من أجل استطلاع المدینة ومعاینة أثر الدمار الذی خلفته صواریخ سکود، لم الحظ الا دمار قلیل جدا سببه على ما أظن قذائف الهولوکبتر أو الدبابات أو المدفعیة المتوسطة، لکن لا اثر لسقوط الصواریخ! أغلب مبانی المدینة القدیمة، والاحیاء القریبة منها بنیت بالآجر والجص، ولو قصفت بصاروخ سکود سیحدث فیها دماراً کبیراً ملحوظاً، ستتهدم بسرعة من قوة عصف التفجیر. الذی حدث هو الهلع والهروب الجماعی، منهم الراکب ومنهم الراجل، نساء وأطفال وشیبة وشباب، وکأنه یوم القیامة، بسبب هذه الاشاعات التی أسقطت صواریخ سکود فی خیال الناس، ولیس على مبانی وشوارع المدینة! الاشاعات فی الحروب، هی جزء من الحرب النفسیة، وتأثیرها أحیاناً أقوى من الفرق العسکریة بعدتها وعدیدها، خاصةً على الدول والانظمة التی لا تمتلک أجهزة استخبارات کفوءة تتصدى لهکذا حرب، وتحد من تأثیرها، فکیف بمقاومین امیین فی القتال العسکری؟. والیوم نرى أفلام داعش الهولیودیة التی تنقل قتل الناس الابریاء بأسالیب وحشیة لا تخطر على بال أحد على الهواء وبتقنیة حدیثة جداً، منتجة من قبل اناس أخصائیین وکفوئین فی فی هذا المجال، والغریب العجیب ساهم بنشرها کبرى مؤسسات الاعلام التی تدار من قبل الیهود والغرب، وکذلک العدید من وسائل الاعلام على الشبکة العنکبوتیة، وخاصة الفسبوک، وتویتر، والیوتیوب! وهذا یعنی هؤلاء یقاتلون نیابة عن داعش فی حربها النفسیة التی تشنها على الجیش السوری، والجیش العراقی، وکل من یقاومها. کما أن غالبیة الاعلام العربی، بما فیهم الاعلام المقاوم وقع فی فخ داعش والذین من ورائها فی نشر هذه الافلام والصور! أیضا، نحن الشعوب العربیة غالبیتنا وقع فی الفخ الذی نصبته لنا داعش وسادتها، بنشر موادهم الاعلامیة على الفسبوک وتویتر والیوتوب وبقیة وسائل التواصل الاجتماعی على الشبکة العنکبوتیة، وهذا یعنی ساعدنا عدونا فی بلوغ أهدافه! هدف داعش والذین یقفون ورائها، هو نشر الرعب والهلع فی قلوب شعوب الدول التی یستهدفونها، وفی قلوب المقاتلین فی جیوشها الرسمیة والشعبیة، کی یهزمونهم من الداخل، بکسر معنویاتهم، وبالتالی استسلامهم لارادتهم. علینا الاعتبار من أخطائنا، ولا نعیر أی إهتمام للمواد الاعلامیة التی تنشرها داعش وأخواتها من القاعدة والنصرة، ونحاربها بنبذها، ونشر بدلها هزائمهم أمام مقاتلینا الأشاوس، کی لا نکون جنوداً فی جیشها الاعلامی من غیر أن نعلم.
خاص بانوراماالشرقالاوسط | ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,266 |
||