أعدوا لهم ما استطعتم من قوة وإعلام | ||
أعدوا لهم ما استطعتم من قوة وإعلام کل بضعة أشهر تسعفنا “داعش” على حین غرة وفی أوقات متنوعة ومختلفة بشدة حساسیتها فی ملامسة الوضع المر الراهن ، بإحدى أفلامها وصورها ومشاهدها الدمویة الأکثر عنفاً ضد الإنسانیة ، والتی یتم تصویرها ومنتجتها وإخراجها بأقوى المقاییس الهولیوودیة ، حاملةً فی طیاتها الملایین من الرموز والدلالات لجمیع شعوب المنطقة مهما اختلفت أعراقهم ومذاهبهم وطوائفهم . عنف وجنون ودماء ومشاهد بطش یندى لها الجبین ، ذقون ملتحیة تمارس أدوار التوحش الأولى فی یوتیوبات القتل وزهق الأرواح , نساء تُباع وتُشترى فی سوق النخاسة بأرخص الأثمان ، عُبور مجاهدات آلاف الکیلومترات من الدول العربیة والأوروبیة إلى أحضان المجاهدین لمبارکة دولة “البغدادی” ، ملایین الدولارات المُنفقة لشراء السلاح وتجارة الاعضاء ، ونهب الآثار وتدمیرها أو بیعها فی الأسواق السوداء ، وتشویه الدیانات المقدسة وتفجیر الأضرحة ، وتحلیل الشذوذ والرسالة واحدة من لیس معنا سیلقى مصیره وجزاءه من الذل والحصار والبؤس والعذاب والذبح . کل مهرجانات “داعش” للترکیع والترهیب، فالعروض المجانیة والعابرة للقارات عبر مواقع التواصل هی ملک أیدیکم ، فالقصص تحبس الأنفاس ، والأحداث حقیقیة وواقعیة، والمونتاج والدیکور والکامیرات والمخرجون لتلفزیون الواقع الداعشی سیسمحون لکم أن تختاروا بعنایة قصة نحرکم القادمة ، ومعها سقطة مدویة فی هوة شاهقة العلو منتقاة لموت یومی مکرر رعباً قبل الوصول لقاع العبودیة والرضوخ ، ومعه ستسحق أخر بوادر الکرامة جارةً حجاب الانکسار ومنقبةً وجهها بظل القیود. من هنا لم یکن نزوح الآلاف من العائلات من المناطق المهددة هو ولید الصدفة واللحظة ، وإنما نتیجة حتمیة لملایین وألوف المناظر والفظائع المبثوثة فی الفضاء الإعلامی التی تشیب لها الأجنة فی الأرحام ، والتی تتحدث عن جرائم داعش وأهوالها وخطرها ،فی رسالة تقول :« أن من سیلعب ضد داعش سیحرق أصابعه بنارها »، وجمرها یغزل لکم “الإسلاموفوبیا” ستارة عبر قنواتها لتخترق عقولکم وتجبرکم على الهروب دون اللجوء للحرب دفاعاً عن أماکن عیشکم . هو التنویم المغناطیسی للأدمغة ، فـ “داعش” لیست أخبار سیئة فحسب ، وإنما صدمة مقصودة من الجنون والهلع لتزید الخوف والتشاؤم ، ومعها کم هائل وشاسع من الابتذال والسلبیة والتغذیة الیومیة بقصص سفاحیها الذین یقومون بسلسلة من الجرائم الوحشیة باسم الدین ناشرین بذلک حالة من القلق المستفحل ، ومحققین بذلک سلسلة هائلة من الانتصارات دون الحاجة لإطلاق أی رصاصة . هو سیران الذئاب الداعشیة نحو أرض الخلافة الموبوءة ، ومعه قدرة إعلامیة جبارة تستطیع تجمیع آلاف المؤیدین لها من أی بقعة من العالم وتشرید الملایین فزعاً ، فی حین ینخر التکرار والتبعیة والتقید والتقلید ، والبیروقراطیة والتشتت فی التوجیه ، والافتقار للهدف الواضح ، والانحدار للغة الشارع بالدعایة أو السخریة ، والعبث بمشاعر السوریین وإهمال معاناتهم وعواطفهم ومشاعرهم وصمودهم وسائل إعلامنا المختلفة. فأشهر مواقع التواصل تقدم الکثیر من الإرهاب اللفظی والفعلی والتکفیری ، وأکثر من ألف وسیلة إعلامیة تمارس أدوراً متنوعة فی حرب ضروس یستخدمها الدواعش لتسویق أخبارهم ، وجذب مجرمیهم وفاسقیهم واستنهاض همم معجبیهم ، ومع ارتفاع وتیرة الأعمال الإرهابیة نلاحظ فی کل مرة استخدام تقنیات وخطط جدیدة ومبتکرة یتحول فیها الإرهاب إلى منظمة إعلامیة محترفة تتمتع بإمکانیات تقنیة ولوجستیة ومعلوماتیة متقدمة ، تستفید من مراقبة الأنظمة الإلکترونیة ، ومنظومات التنصت على الأقمار الصناعیة ، ومعها قدرة فائقة على جمع المعلومات باعتماد کبیر على الإنترنت وأجهزة الهاتف الخلویة واللاسلکیة . ولم تکتف داعش بالفضاء السابح عبر الشبکة العنکبوتیة وإنما أصدرت العدید من الفتاوى الشاذة حسب مزاج المشایخ للتطاول على الأخلاق بوتر الغرائز ، ونشرت کُتیبات أخرها یتعلق بالمرأة المسبیة ، وأولها مجلة “دابق” بنسختیها العربیة والإنکلیزیة والموجهة للملایین من الداعمین للفاشیة الداعشیة ، والتی تدیرها ماکینة من العلاقات العامة تُنافس کبرى الصحف العالمیة من حیث المحتوى والانتاج، فی حین لا تزال قنواتنا التلفزیونیة والإذاعیة وعدد کبیر من الصحف الرسمیة وغیر الرسمیة تحیض على المنابر غیر قادرة على تحویل إن لم نقل توجیه أو صناعة قرار أو رأی أو فکرة دون أن تلقى معارضة غیر مسبوقة . هذه المستحدثات البشریة الناطقة والزومبیات التی تتقن استخدام الأسلحة، لیست من المریخ ، وإنما نتاج المفاهیم المقلوبة التی صنعتها قنوات دینیة برفقة أخواتها الداعرة ، وبرامج لا زالت تبث السم السیاسی فی عسل الحریة ، هذه الجیف تتفنن بالظهور بسیارات الدفع الرباعیة کأبطال الأفلام الأمریکیة، وتحویل وسائل التسلیة والترفیه إلى ساحات للحرب ضدنا ، فکل حرف هو رصاصة لقتلنا وکل کلمة هی قید لعقولنا ومذاق الصورة هو موسم الخراب القادم إلینا. هذه داعش الإعلامیة فحاربوها وقاوموها ، ولیکن “المؤتمر الإعلامی الدولی لمواجهة الإرهاب التکفیر ی ” المنعقد فی دمشق على مستوى الحدث ، لیضع حجر الأساس فی تطویر المیدیا القادرة على صناعة الخبر ، وقیادة حرب المصطلحات وترتیب الأولویات والحاجات السوریة ، لیعید المواطن السوری اللاهث خلف المعلومات إلى وسائل اعلامنا بإشراکه بتحمل مسؤولیاته وتحفیزه على همج القرن الحادی والعشرین لیکون التغییر الصحیح الذی ننشده للمستقبل . فأعدوا لداعش ما استطعتم من قوة وإعلام ، ولا تدعو سوریتنا تنزف فی محراب الانتظار .
| ||
الإحصائيات مشاهدة: 2,151 |
||